يا معشر الجن والإنس شروع في حكاية ما سيكون من توبيخ المعشرين وتقريعهم بتفريطهم فيما يتعلق بخاصة أنفسهم ألم يأتكم في الدنيا رسل من عند الله عز وجل كائنة منكم أي من جملتكم لكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحد من الأمم ولا على أن أولئك الرسل عليهم السلام من جنس الفريقين معا بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها وعلى أن تكون من الإنس خاصة إذ المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء ونظيره في هذا قوله تعالى : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فإنهما إنما يخرجان من الملح فقط كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى .
قدر هنا مضافا لذلك أي من أحدكم وقال غير واحد : المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل وقد ثبت أن الجن استمعوا للقرآن وأنذروا به قومهم فقد قال سبحانه : والفراء وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن إلى قوله عز وجل : ولوا إلى قومهم منذرين وعن وغيره أن الله تعالى أرسل للجن رسلا منهم وصرح بعضهم أن رسولا منهم يسمى يوسف وظاهر الآية يقتضي إرسال الرسل إلى كل من المعشرين من جنسهم وادعى بعض قيام الإجماع على أنه لم يرسل إلى الجن رسول منهم وإنما أرسل إليهم من الإنس وهل كان ذلك قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام أم لا الذي نص عليه الضحاك الثاني قال : كان الرسل يرسلون إلى الإنس حتى بعث الكلبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن يقصون عليكم آياتي التي أوحيتها إليهم والجملة صفة أخرى لرسل محققة لما هو المراد من إرسالهم من التبليغ والإنذار وقد حصل ذلك بالنسبة إلى الثقلين وينذرونكم أي يخوفونكم بما في تضاعيفها من القوارع لقاء يومكم هذا أي يوم الحشر الذي قد عاينوا فيه ما عاينوا قالوا استئناف بياني والمقصود منه حكاية قولهم : كيف يقولون وكيف يعترفون شهدنا على أنفسنا أي بإيتاء الرسل وقصهم وإنذارهم وبمقابلتهم إياهم بالكفر والتكذيب وقوله سبحانه : وغرتهم الحياة الدنيا مع ما عطف عليه اعتراض لبيان ما أداهم في الدنيا إلى ارتكاب القبائح التي ارتكبوها وألجأهم في الآخرة إلى الاعتراف بالكفر واستيجاب العذاب وذم لهم بذلك وتسفيه لرأيهم فلا تكرار في الشهادتين أي واغتروا في الدنيا بالحياة الدنيئة واللذات الخسيسة الفانية وأعرضوا عن النعيم المقيم الذي بشرت به الرسل عليهم السلام واجترؤوا على ارتكاب ما يجرهم إلى العذاب المؤبد الذي أنذروهم إياه وشهدوا في الآخرة على أنفسهم أنهم كانوا في الدنيا كافرين (130) بالآيات والنذر واضطروا إلى الاستسلام لأشد العذاب وفي ذلك من تحسرهم وتحذير السامعين عن مثل صنيعهم ما لا مزيد عليه .