[ ص: 26 ] قوله عز وجل : والبدن جعلناها لكم من شعائر الله في البدن ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الإبل ، وهو قول الجمهور .
والثاني : أنها الإبل ، والبقر ، والغنم ، وهو قول ، جابر . وعطاء
والثالث : كل ذات خف وحافر من الإبل ، والبقر ، والغنم ، وهو شاذ حكاه ابن الشجرة ، وسميت بدنا لأنها مبدنة في السمن ، وشعائر الله تعالى دينه في أحد الوجهين ، وفروضه في الوجه الآخر .
وتعمق بعض أصحاب الخواطر فتأول البدن أن تطهر بدنك من البدع ، والشعائر أن تستشعر بتقوى الله وطاعته ، وهو بعيد .
لكم فيها خير فيه تأويلان :
أحدهما : أي أجر ، وهو قول . السدي
والثاني : منفعة فإن احتيج إلى ظهرها ركب ، وإن حلب لبنها شرب ، وهو قول . إبراهيم النخعي
فاذكروا اسم الله عليها صواف وهي قراءة الجمهور ، وقرأ : صوافي ، وقرأ الحسن : صوافن . ابن مسعود
فتأول صواف على قراءة الجمهور فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مصطفة ، ذكره . ابن عيسى
والثاني : قائمة لتصفد يديها بالقيود ، وهو قول . ابن عمر
والثالث : معقولة ، وهو قول . مجاهد
وتأويل صوافي ، وهي قراءة : أي خالصة لله تعالى ، مأخوذ من الصفوة . الحسن
وتأويل صوافن وهي قراءة : أنها مصفوفة ، وهو أن تعقل إحدى يديها حتى تقف على ثلاث ، مأخوذ من صفن الفرس إذا ثنى إحدى يديه حتى يقف على ثلاث ، ومنه قوله تعالى : ابن مسعود الصافنات الجياد وقال الشاعر :
[ ص: 27 ]
ألف الصفون مما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا
فإذا وجبت جنوبها أي سقطت جنوبها على الأرض ، ومنه وجب الحائط إذا سقط ، ووجبت الشمس إذا سقطت للغروب ، وقال أوس بن حجر :
ألم تكسف الشمس ضوء النهار والبدر للجبل الواجب
فكلوا منها فيه وجهان :
أحدهما : أن أكله منها واجب إذا تطوع بها ، وهو قول أبي الطيب بن سلمة .
والثاني : وهو قول الجمهور أنه استحباب وليس بواجب ، وإنما ورد الأمر به لأنه بعد حظر ، لأنهم كانوا في الجاهلية يحرمون أكلها على نفوسهم .
وأطعموا القانع والمعتر فيهم أربعة تأويلات :
أحدها : أن القانع السائل ، والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل ، وهذا قول ، الحسن ، ومنه قول وسعيد بن جبير الشماخ :
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع
أي من السؤال .
والثاني : أن القانع الذي يقنع ولا يسأل ، والمعتر الذي يسأل ، وهذا قول ، ومنه قول قتادة زهير
على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل
والثالث : أن القانع المسكين الطواف ، والمعتر : الصديق الزائر ، وهذا قول ، ومنه قول زيد بن أسلم : الكميت
إما اعتيادا وإما اعترارا
والرابع : أن القانع الطامع ، والمعتر الذي يعتري البدن ويتعرض للحم لأنه [ ص: 28 ] ليس عنده لحم ، وهذا قول ، ومنه قول الشاعر: عكرمة
على الطارق المعتر يا أم مالك إذا ما اعتراني بين قدري وصخرتي