قوله تعالى : هنالك ابتلي المؤمنون فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بالحصر ، حكاه . النقاش
الثاني : بالجوع فقد أصابهم بالخندق جوع شديد ، قاله . الضحاك
الثالث : امتحنوا في الصبر على إيمانهم وتميز المؤمنون عن المنافقين ، حكاه ابن شجرة . وحكى أن ابن عيسى هنالك للبعد من المكان ، وهناك للوسط وهنا للقريب .
وزلزلوا زلزالا شديدا فيه أربعة أوجه :
أحدها : حركوا بالخوف تحريكا شديدا ، قاله . يحيى بن سلام
الثاني : أنه اضطرابهم عما كانوا عليه فمنهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه .
[ ص: 381 ] الثالث : أنه حركهم الأمر بالثبات والصبر ، وهو محتمل .
الرابع : هو إزاحتهم عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلا موضع الخندق ، قاله . الضحاك
قوله تعالى : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض فيه وجهان :
أحدهما : أن المرض النفاق ، قاله . قتادة
الثاني : أنه الشرك ، قاله . الحسن
ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا حكى السدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفر الخندق لحرب الأحزاب فبينا هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول على صفاة فطار منها كهيئة الشهاب من نار في السماء ، وضرب الثاني فخرج مثل ذلك ، وضرب الثالث فخرج مثل ذلك فرأى ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (رأيت ما خرج في كل ضربة ضربتها؟ قال : نعم يا رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (تفتح لكم بيض سلمان المدائن وقصور الروم ومدائن اليمن، قال: ففشا ذلك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدثوا به ، فقال رجل من الأنصار يدعى قشير بن معتب . وقال غيره قشير بن عدي الأنصاري من الأوس : وعدنا محمد أن تفتح لنا مدائن اليمن وقصور الروم وبيض المدائن وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل؟ هذا والله الغرور فأنزل الله هذه الآية .
قوله تعالى : وإذ قالت طائفة منهم يعني من المنافقين قيل إنهم من بني سليم ، وقيل إنه من قول أوس بن فيظي ومن وافقه على رأيه ، ذكر ذلك يزيد بن رومان ، وحكى أنه السدي عبد الله بن أبي وأصحابه .
يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا قرأ عن حفص بضم الميم ، والباقون بالفتح . وفي الفرق بينهما وجهان : عاصم
[ ص: 382 ] أحدهما : وهو قول أن المقام بالفتح الثبات على الأمر ، وبالضم الثبات في المكان . الفراء
الثاني : وهو قول أنه بالفتح المنزل وبالضم الإقامة . وفي تأويل ذلك ثلاثة أوجه : ابن المبارك
أحدها : أي لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب ، قاله . الحسن
الثاني : لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان ، قاله . الكلبي
الثالث : لا مقام في مكانكم فارجعوا إلى مساكنكم ، قال . والمراد النقاش بيثرب المدينة وفيه قولان :
أحدهما : أن يثرب هي المدينة ، حكاه . ابن عيسى
الثاني : أن المدينة في ناحية من يثرب ، قاله وقد روى أبو عبيدة عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب المدينة يثرب فليستغفر الله ، هي طابة) ثلاث مرات . (من قال:
ويستأذن فريق منهم النبي قال : الذي استأذنه منهم رجلان من الأنصار من السدي بني حارثة ، أحدهما أبو عرابة بن أوس ، والآخر أوس بن فيظي . قال : ورجع ثمانون رجلا بغير إذن . الضحاك
يقولون إن بيوتنا عورة فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي ، قاله . قتادة
[ ص: 383 ] الثاني : خالية ليس فيها إلا العورة من النساء ، قاله الكلبي ، مأخوذ من قولهم قد اعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب قال الشاعر : والفراء
له الشدة الأولى إذا القرن أعورا
الثالث : مكشوفة الحيطان نخاف عليها السراق والطلب ، قاله والعرب تقول قد أعور منزلك إذا ذهب ستره وسقط جداره وكل ما كره انكشافه فهو عندهم عورة ، وقرأ السدي : إن بيوتنا عورة ، بكسر الواو ، أي ممكنة العورة . ابن عباس
ثم قال : وما هي بعورة تكذيبا لهم فيما ذكروه .
إن يريدون إلا فرارا يحتمل وجهين :
أحدهما : فرارا من القتل .
الثاني : من الدين . وحكى أن النقاش من هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار بني حارثة وبني سلمة ، هموا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق وفيهم أنزل الله إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا [آل عمران : 122] الآية . فلما نزلت هذه الآية قالوا : والله ما سرنا ما كنا هممنا به إن كان الله ولينا .