قوله تعالى : قد يعلم الله المعوقين منكم يعني المثبطين من المنافقين ، قيل إنهم عبد الله بن أبي وأصحابه .
والقائلين لإخوانهم هلم إلينا فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم المنافقون قالوا للمسلمين ما محمد إلا أكلة رأس وهو هالك ومن معه فهلم إلينا .
الثاني : أنهم اليهود من بني قريظة قالوا لإخوانهم من المنافقين هلم إلينا أي تعالوا إلينا وفارقوا محمدا فإنه هالك وإن إن ظفر لم يبق منكم أحدا . أبا سفيان
الثالث : ما حكاه أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من عنده يوم [ ص: 385 ] الأحزاب فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف فقال : أنت هكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف ، فقال له أخوه كان من أبيه وأمه . هلم إلي قد تبع بك وبصاحبك أي قد أحيط بك وبصاحبك ، فقال له : كذبت والله لأخبرنه بأمرك وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجده قد نزل عليه ابن زيد جبريل عليه السلام بقوله تعالى : قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا
ولا يأتون البأس إلا قليلا فيه وجهان :
أحدهما : لا يحضرون القتال إلا كارهين وإن حضروه كانت أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين قاله . قتادة
الثاني : لا يشهدون القتال إلا رياء وسمعة ، قاله ، وقد حكي عن السدي في قوله تعالى : الحسن ولا يذكرون الله إلا قليلا إنما قل لأنه كان لغير الله عز وجل .
قوله تعالى : أشحة عليكم فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أشحة بالخير ، قاله . مجاهد
الثاني : بالقتال معكم ، قاله . ابن كامل
الثالث : بالغنائم إذا أصابوها ، قاله . السدي
الرابع : أشحة بالنفقة في سبيل الله ، قاله . قتادة
فإذا جاء الخوف فيه قولان :
أحدهما : إذا جاء الخوف من قتال العدو إذا أقبل ، قاله . السدي
الثاني : الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب ، قاله ابن شجرة .
رأيتهم ينظرون إليك خوفا من القتال على القول الأول ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم على القول الثاني .
تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت يحتمل وجهين :
أحدهما : تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة .
الثاني : تدور أعينهم لشدة خوفهم حذرا أن يأتيهم القتل من كل جهة .
فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد فيه وجهان :
[ ص: 386 ] أحدهما : أي رفعوا أصواتهم عليكم بألسنة حداد أي شديدة ذربة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لعن الله السالقة والخارقة والحالقة) يعني بالسالقة التي ترفع صوتها بالنياحة والخارقة التي تخرق ثوبها في المصيبة وبالحالقة التي تحلق شعرها .
الثاني : معناه آذوكم بالكلام الشديد . والسلق الأذى ، قاله . قال الشاعر ابن قتيبة
ولقد سلقن هوازنا بنواهل حتى انحنينا
وقال : سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره وفي سلقهم بألسنة حداد وجهان : الخليل
أحدهما : نزاعا في الغنيمة ، قاله . قتادة
الثاني : جدالا عن أنفسهم ، قاله . الحسن
أشحة على الخير فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : على قسمة الغنيمة ، قاله . يحيى بن سلام
الثاني : على المال ينفقونه في سبيل الله ، قاله . السدي
الثالث : على النبي صلى الله عليه وسلم بظفره .
أولئك لم يؤمنوا يعني بقلوبهم .
فأحبط الله أعمالهم يعني حسناتهم أن يثابوا عليها لأنهم لم يقصدوا وجه الله تعالى بها .
[ ص: 387 ] وكان ذلك على الله يسيرا فيه وجهان :
أحدهما : وكان نفاقهم على الله هينا .
الثاني : وكان إحباط عملهم على الله هينا .