ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم [ ص: 276 ] أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون
قوله عز وجل: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا في قراءة أهل الكوفة وقرأ الباقون حسنا. قال : يعني برا. السدي حملته أمه كرها ووضعته كرها أي حملته بمشقة ووضعته بمشقة. وقرئ كرها بالضم والفتح. قال الكسائي في الفرق بينهما أن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه، وبالفتح ما حمل على غيره. والفراء وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الفصال مدة الرضاع ، فقدر ثلاثون شهرا، وكان في هذا التقدير قولان: مدة الحمل والرضاع
أحدهما: أنها مدة قدرت لأقل الحمل وأكثر الرضاع ، فلما كان أربعة وعشرين شهرا لقوله تعالى أكثر الرضاع حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة [البقرة: 233] دل ذلك على أن ما بقي وهو ستة أشهر ، فإن ولدته لتسعة أشهر لم يوجب ذلك نقصان الحولين في الرضاع ، قاله مدة أقل الحمل وجمهور الفقهاء. الشافعي
الثاني: أنها مدة جمعت زمان الحمل ، فإن كانت حملته تسعة أشهر; أرضعته أحدا وعشرين شهرا ، وإن كانت حملته عشرة أشهر أرضعته شهرا لئلا تزيد المدة فيهما عن ثلاثين شهرا، قاله ومدة الرضاع . ابن عباس حتى إذا بلغ أشده وفي الأشد تسعة أقاويل:
أحدها: أنه البلوغ، قاله ابن مالك والشعبي وزيد بن أسلم.
الثاني: خمس عشرة سنة، قاله محمد بن أويس.
الثالث: ثماني عشرة سنة، قاله ابن جبير.
الرابع: عشرون سنة، قاله [ ص: 277 ] الخامس: خمسة وعشرون سنة ، قاله سنان. . عكرمة
السادس: ثلاثون سنة ، قاله . السدي
السابع: ثلاثة وثلاثون سنة ، قاله . ابن عباس
الثامن: أربعة وثلاثون سنة ، قاله سفيان الثوري.
التاسع: أربعون سنة ، وهو قول ، عائشة . والحسن وبلغ أربعين سنة فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: لأنها زمان الأشد ، وهو قول من ذكرنا.
الثاني: لأنها زمان الاستواء ، قال لم يبعث الله نبيا حتى يبلغ الأربعين. وقال زيد بن أسلم: وقوله تعالى ابن زيد: لموسى واستوى قال بلغ أربعين سنة. وقال يثغر الغلام لسبع ويحتلم لأربع عشرة ، وينتهي طوله لإحدى وعشرين سنة ، وينتهي عقله لثمان وعشرين ، فما زاد بعد ذلك فهو تجربة ويبلغ أشده لثلاث وثلاثين. الشعبي:
الثالث: لأنها أول عمر بعد تمام عمر ، قال ابن قيس. رب أوزعني قال معناه ألهمني. قال سفيان والأصل في الإيزاع هو الإغراء بالشيء ، ويقال فلان موزع بكذا أي مولع به. ابن قتيبة: أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي يحتمل وجهين:
أحدهما: أنعمت علي بالبر والطاعة ، وأنعمت على والدي بالتحنن والشفقة.
الثاني: أنعمت علي بالعافية والصحة ، وعلى والدي بالغنى والثروة ، وفي النعمة على كل واحد منهما نعمة على الآخر لما بينهما من الممازجة والحقوق الملتزمة. وحكى عن أبو زهير قال: سمعتهم يقولون إن الولد يأتيه رزقه من أربع خلال: يأتيه رزقه وهو في بطن أمه ، ثم يولد فيكون رزقه في ثدي أمه، فإذا تحرك كان رزقه على أبويه، فإذا اجتمع وبلغ أشده جلس يهتم للرزق ويقول من أين يأتيني رزقي، فاختصت الأم بخلتين من خلال رزقه ، واشترك أبوه في الثالثة ، وتفرد هو [ ص: 278 ] بالرابعة، فذهب عنه الهم لما كان موكلا إلى غيره ، واهتم لما صار موكلا إلى نفسه ليتنبه بذلك على التوكل على خالقه ليكون أنقى لهمته وأقل لحيرته وأدر لرزقه ، وليعلم أن لأمه عليه حقا يعجز عن أدائه لما عانت من موارد رزقه ما عجز الخلق عن معاناته. الأعمش وأن أعمل صالحا ترضاه يحتمل وجهين:
أحدهما: في بر الوالدين.
الثاني: في ديني. وأصلح لي في ذريتي يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يدعو بإصلاحهم لبره وطاعته لإضافته ذلك إلى نفسه.
الثاني: أن يدعو بإصلاحهم لطاعة الله وعبادته وهو الأشبه ، لأن طاعتهم لله من بره ، ولأنه قد دعا بصلاح ذرية قد تكون من بعده. وفيه لأصحاب الخواطر أربعة أوجه:
أحدها: قاله سهل: اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيد حق.
الثاني: قاله أبو عثمان: اجعلهم أبرارا ، أي مطيعين لك.
الثالث: قاله وفقهم لصالح أعمال ترضى بها عنهم. ابن عطاء
الرابع: قاله رضي الله عنه: لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلا. محمد الباقر إني تبت إليك قال : رجعت عن الأمر الذي كنت عليه. وفي هذه الآية قولان: ابن عباس
أحدهما: أنها نزلت في رضي الله عنه ، قاله أبي بكر الصديق مقاتل . والكلبي
الثاني: مرسلة نزلت على العموم ، قاله . الحسن
قوله عز وجل: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا فيه ثلاثة أوجه: [ ص: 279 ] أحدها: أنهم إذا أسلموا قبلت حسناتهم وغفرت سيئاتهم ، قاله يحكيه مرفوعا. زيد بن أسلم
الثاني: هو إعطاؤهم بالحسنة عشرا رواه أبو هلال.
الثالث: هي الطاعات لأنها الأحسن من أعماله التي يثاب عليها وليس في المباح ثواب ولا عقاب ، حكاه . ابن عيسى ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: نتجاوز عن سيئاتهم بالرحمة.
الثاني: نتجاوز عن صغائرهم بالمغفرة.
الثالث: نتجاوز عن كبائرهم بالتوبة. وعد الصدق الذي كانوا يوعدون وعد الصدق الجنة ، الذي كانوا يوعدون في الدنيا على ألسنة الرسل.