قوله عز وجل: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وهو هود بعث إلى عاد ، وكان أخاهم في النسب لا في الدين لأنه مناسب وإن لم يكن أخا أحد منهم. إذ أنذر قومه بالأحقاف وهي جمع حقف ، وهو ما استطال واعوج من الرمل العظيم ، ولا يبلغ أن يكون جبلا. ومنه قول العجاج
بات إلى أرطاة حقف أحقفا 6
أي رمل مستطيل مشرق. وفيما أريد بالأحقاف هنا خمسة أقاويل:أحدها: أن الأحقاف رمال مشرقة كالجبال ، قاله ، وشاهده ما تقدم ، وقال هي رمال مشرقة على البحر بالسحر في ابن زيد اليمن.
الثاني: أن الأحقاف أرض من حسمي تسمى الأحقاف ، قاله . مجاهد
الثالث: أنه جبل بالشام يسمى الأحقاف ، قاله . الضحاك
الرابع: هو ما بين عمان وحضرموت ، قاله ابن إسحاق.
الخامس: هو واد بين عمان ومهرة ، قاله . وروى ابن عباس عن أبو الطفيل كرم الله وجهه أنه قال: خير واد بين في الناس واد علي بمكة ، وواد نزل به آدم بأرض الهند ، وشر واديين في الناس وادي الأحقاف ، وواد [ ص: 283 ] بحضرموت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفار ، وخير بئر في الناس بئر زمزم ، وشر بئر في الناس بئر برهوت وهي ذلك الوادي حضرموت. وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أي قد بعث الرسل من قبل هود ومن بعده ، قال ، من بين يديه من قبله ، ومن خلفه من بعده وهي في قراءة الفراء من بين يديه ومن بعده قوله عز وجل: ابن مسعود: قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فيه وجهان:
أحدهما: لتزيلنا عن عبادتها بالإفك.
الثاني: لتصدنا عن آلهتنا بالمنع ، قاله . الضحاك
قوله عز وجل: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم يعني السحاب. وأنشد الأخفش لأبي كبير الهذلي
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المنهال
أحدها: لأنه أخذ في عرض السماء ، قال . ابن عيسى
الثاني: لأنه يملأ آفاق السماء ، قال . النقاش
الثالث: لأنه مار من السماء. والعارض هو المار الذي لا يلبث وهذا أشبه. قالوا هذا عارض ممطرنا حسبوه سحابا يمطرهم، وكان المطر قد أبطأ عليهم. بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم كانوا حين أوعدهم هود استعجلوه استهزاء منهم بوعيده، فلما رأوا السحاب بعد طول الجدب أكذبوا هودا وقالوا: هذا عارض ممطرنا. ذكر أن القائل ذلك من قوم عاد، بكر بن معاوية. فلما نظر هود إلى السحاب قال: بل هو ما استعجلتم به ، أي الذي طلبتم تعجيله ريح فيها عذاب أليم وهي الدبور. [ ص: 284 ] وروي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس وأهلكت (نصرت بالصبا عاد بالدبور فنظر بكر بن معاوية إلى السحاب فقال: إني لأرى سحابا مرمدا ، لا يدع من عاد أحدا. فذكر أنها كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم. قال عمرو بن ميمون واعتزل ابن إسحاق: هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه هو ومن معه فيها إلا ما يلين على الجلود وتلتذ الأنفس به ، وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض. وحكى أن شاعرهم قال في ذلك الكلبي
فدعا هود عليهم دعوة أضحوا همودا
عصفت ريح عليهم تركت عادا خمودا
سخرت سبع ليال لم تدع في الأرض عودا