ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى النجوى السرار ، ومن ذلك قول جرير
من النفر البيض الذين إذا انتجوا أقرت بنجواهم لؤي بن غالب
والنجوى مأخوذة من النجوة وهي ما له ارتفاع وبعد ، لبعد الحاضرين عنه، وفيها وجهان:أحدهما: أن كل سرار نجوى ، قاله . ابن عيسى
الثاني: أن السرار ما كان بين اثنين ، والنجوى ما كان بين ثلاثة، حكاه سراقة. وفي المنهي عنه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم اليهود، كانوا يتناجون بما بين المسلمين، فنهوا عن ذلك، قاله . مجاهد
الثاني: أنهم المنافقون، قاله . الكلبي
الثالث: أنهم المسلمون. روى قال: أبو سعيد الخدري المسيح يعني الدجال فرقا منه ، فقال: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه؟) قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: (الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان الرجل) . كنا ذات ليلة نتحدث إذ خرج علينا رسول الله [ ص: 491 ] صلى الله عليه وسلم فقال: (ما هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى) . فقلنا تبنا إلى الله يا رسول الله إنا كنا في ذكر وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويروى كانت اليهود إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: السام عليك ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم فيقول: وعليكم أن حين سمعت ذلك منهم قالت: وعليكم السام والذام ، فقال عليه السلام: (إن الله لا يحب الفحش والتفحش عائشة . وفي السام الذي أرادوه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الموت، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه السيف.
الثالث: أنهم أرادوا بذلك أنكم ستسأمون دينكم ، قاله ، وكذا من قال هو الموت لأنه يسأم الحياة. وحكى الحسن الكلبي أن اليهود كانوا إذا رد النبي صلى الله عليه وسلم جواب سلامهم قالوا: لو كان هذا نبيا لاستجيب له فينا قوله وعليكم ، يعني السام وهو الموت وليس بنا سامة وليس في أجسادنا فترة، فنزلت فيهم ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول الآية.
وفي قوله تعالى إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وجهان:
أحدهما: ما كان يتناجى به اليهود والمنافقون من الأراجيف بالمسلمين.
الثاني: أنها الأحلام التي يراها الإنسان في منامه فتحزنه. [ ص: 492 ]