عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين [ ص: 519 ] قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون
عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة فيهم قولان:
أحدهما: أهل مكة حين أسلموا عام الفتح فكانت هي المودة التي صارت بينهم وبين المسلمين ، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه إسلام وفي مودته التي صارت منه قولان: أبي سفيان.
أحدهما: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فكانت هذه مودة بينه وبين بأم حبيبة بنت أبي سفيان ، قاله أبي سفيان مقاتل.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل على بعض أبا سفيان اليمن فلما قبض رسول الله أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا ، فقاتله فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين ، فكانت هذه المودة ، قاله الزهيري. لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين الآية. فيهم أربعة أوجه:
أحدها: أن هذا في أول الأمر عند موادعة المشركين ، ثم نسخ بالقتال ، قاله ابن زيد.
الثاني: أنهم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف كان لهم عهد فأمر الله أن يبروهم بالوفاء ، قاله مقاتل.
الثالث: أنهم النساء والصبيان لأنهم ممن لم يقاتل ، فأذن الله تعالى ببرهم ، حكاه بعض المفسرين.
الرابع: ما رواه عن أبيه عامر بن عبد الله بن الزبير أن رضي الله عنه طلق امرأته أبا بكر قتيلة في الجاهلية وهي أم ، فقدمت عليهم في [ ص: 520 ] المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار أسماء بنت أبي بكر قريش ، فأهدت إلى قرطا وأشياء ، فكرهت أن تقبل منها حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فأنزل الله هذه الآية. أسماء بنت أبي بكر وتقسطوا إليهم فيه وجهان:
أحدهما: يعني وتعدلوا فيهم ، قاله فلا تغلوا في مقاربتهم ، ولا تسرفوا في مباعدتهم. ابن حبان
الثاني: معناه أن تعطوهم قسطا من أموالكم ، حكاه . ابن عيسى
ويحتمل ثالثا: أنه الإنفاق على من وجبت نفقته منهم ، ولا يكون اختلاف الدين مانعا من استحقاقها.