ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا
قوله عز وجل: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم اختلفوا في المراد بالسفهاء في هذا الموضع على أربعة أقاويل: أحدها: أنهم الصبيان ، وهو قول ، سعيد بن جبير والثاني: أنهم النساء ، وهو قول والحسن. والثالث: أنه عنى الأولاد المسرفين أن يقسم ماله فيهم فيصير عيالا عليهم ، وهو قول ابن عمر. ، ابن عباس وابن زيد والرابع: أنه أراد كل سفيه استحق في المال حجرا ، وهو معنى ما رواه وأبي مالك. عن الشعبي ، عن أبي بردة أنه قال: ثلاثة يدعون فلا يستجيب الله لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ، ورجل أعطى مالا سفيها وقد قال الله تعالى: أبي موسى الأشعري ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ، ورجل له على رجل دين لم يشهد عليه. [ ص: 453 ]
وأصل السفيه خفة الحلم فلذلك وصف به الناقص العقل. ووصف به المفسد لماله لنقصان تدبيره ، ووصف به الفاسق لنقصانه عند أهل الدين ، والعلم. أموالكم فيه تأويلان: أحدهما: يعني أموال الأولياء ، وهو قول . والثاني: أنه عنى به أموال السفهاء ، وهو قول ابن عباس سعيد بن جبير. التي جعل الله لكم قياما قرأ نافع وابن عمر: ( قيما ) ومعناهما واحد ، يريد أنها قوام معايشكم ومعايش سفهائكم. وارزقوهم فيها واكسوهم فيه قولان: أحدهما: أي أنفقوا أيها الأولياء على السفهاء من أموالهم. وقولوا لهم قولا معروفا فيه تأويلان: أحدهما: أنه الوعد بالجميل ، وهو قول والثاني: الدعاء له كقوله: بارك الله فيك ، وهو قول مجاهد. ابن زيد. وابتلوا اليتامى أي اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم. حتى إذا بلغوا النكاح يعني الحلم في قول الجميع. فإن آنستم منهم رشدا فيه أربع تأويلات: أحدها: أن الرشد العقل ، وهو قول ، مجاهد والثاني: أنه العقل والصلاح في الدين ، وهو قول والشعبي. والثالث: أنه صلاح في الدين وإصلاح في المال ، وهو قول السدي. ، ابن عباس ، والحسن . والرابع: أنه الصلاح والعلم بما يصلحه ، وهو قول والشافعي ابن جريج. فادفعوا إليهم أموالهم يعني التي تحت أيديكم أيها الأولياء عليهم. ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا يعني لا تأخذوها إسرافا على غير ما أباح الله لكم ، وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح ، فربما [ ص: 454 ]
كان في الإفراط ، وربما كان في التقصير ، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال: أسرف إسرافا ، وإذا كان في التقصير قيل: سرف يسرف. قوله تعالى: وبدارا أن يكبروا قال : وهو أن تأكل مال اليتيم تبادر أن يكبر ، فيحول بينك وبين ماله. ابن عباس ومن كان غنيا فليستعفف يعني بماله عن مال اليتيم. ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه القرض يستقرض إذا احتاج ثم يرده إذا وجد ، وهو قول ، عمر ، وجمهور التابعين. والثاني: أنه يأكل ما يسد الجوعة ، ويلبس ما يواري العورة ، ولا قضاء ، وهو قول وابن عباس ، الحسن وإبراهيم ، ومكحول ، . روى وقتادة عن شعبة قتادة أن عم ثابت بن رفاعة وثابت يومئذ يتيم في حجره ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله؟ قال: (أن تأكل بالمعروف من غير أن تقي مالك بماله ولا تتخذ من ماله وقرا) . والثالث: أن يأكل من ثمره ، ويشرب من رسل ماشيته من غير تعرض لما سوى ذلك من فضة أو ذهب ، وهو قول ، أبي العالية روى والشعبي. قال: جاء أعرابي إلى القاسم بن محمد فقال: إن في حجري أيتاما ، وإن لهم إبلا ، فماذا يحل لي منها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباءها ، وتلوط حوضها ، وتفرط عليها يوم وردها ، فاشرب من ألبانها غير مضر بنسل ، ولا بأهل في الحلب. والرابع: أن يأخذ إذا كان محتاجا أجرة معلومة على قدر خدمته ، وهو قول ابن عباس وروى عطاء. عن أبيه عن جده عمرو بن شعيب
لي مال ولي يتيم ، فقال: (كل من مال يتيمك غير مسرف ولا واق مالك بماله) . أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس [ ص: 455 ] فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ليكون بينة في دفع أموالهم إليهم. وكفى بالله حسيبا فيه قولان: أحدهما: يعني شهيدا. والثاني: كافيا من الشهود.