قوله تعالى: واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق فيهما قولان: أحدهما: أنهما من بني إسرائيل ، وهذا قول . والثاني: أنهما ابنا الحسن آدم لصلبه ، وهما هابيل وقابيل ، وهو قول ، ابن عباس ، وابن عمر ، ومجاهد . وقتادة إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر والقربان: هو البر الذي يقصد من رحمة الله ، وهو فعلان من القرب. واختلف في على قولين: أحدهما: أنهما فعلاه لغير سبب. والثاني: وهو أشهر القولين أن ذلك لسبب ، وهو أن السبب الذي قربا لأجله قربانا حواء كانت تضع [ ص: 28 ] في كل عام غلاما وجارية ، فكان الغلام يتزوج من أحد البطنين بالجارية من البطن الآخر ، وكان لكل واحد من ابني آدم هابيل وقابيل توأمة ، فأراد هابيل أن يتزوج بتوأمة قابيل فمنعه ، وقال أنا أحق بها منك. واختلف في سبب منعه على قولين: أحدهما: أن قابيل قال لهابيل أنا أحق بتوأمتي منك ، لأننا من ولادة الجنة وأنت من ولادة الأرض.
الثاني: أنه منعه منها لأن توأمته كانت أحسن من هابيل ومن توأمته ، فقربا قربانا وكان قابيل حراثا ، وهابيل راعيا ، فقرب هابيل سخلة سمينة من خيار ماله ، وقرب قابيل حزمة سنبل من شر ماله ، فنزلت نار بيضاء فرفعت قربان هابيل وتركت قربان قابيل ، وكان ذلك علامة القبول ولم يكن فيهم مسكين يتقرب بالصدقة عليه وإنما كانت قربهم هكذا. قال وكانت سخلة أبو جعفر الطبري: هابيل المقبولة ترعى في الجنة حتى فدى الله تعالى بها إسحاق بن إبراهيم الذبيح. واختلف في هابيل على وجهين: أحدهما: لأنه كان أتقى لله من سبب قبول قربان قابيل لقوله: إنما يتقبل الله من المتقين ، والتقوى ها هنا الصلاة ، على ما ذكره المفسرون.
الثاني: لأن هابيل تقرب بخيار ماله فتقبل منه ، وقابيل تقرب بشر ماله ، فلم يتقبل منه ، وهذا قول ، وأكثر المفسرون . واختلف في قربانهما هل كان بأمر عبد الله بن عمر آدم ، أو من قبل أنفسهما على قولين: أحدهما: أنهما قربا بأمر آدم حين اختصما إليه. والثاني: أنهما قربا من قبل أنفسهما. [ ص: 29 ] وكان آدم قد توجه إلى مكة ، ليراها ويزور البيت بها عن أمر به ، وكان قد عرض الأمانة في حفظ أهله على السماوات فأبت ، فعرضها على الأرض فأبت ، فعرضها على الجبال فأبت ، فعرضها على قابيل فقبلها ، ثم توجه وعاد فوجد قابيل قد قتل هابيل وشربت الأرض دمه ، فبكى ولعن الأرض لشربها دمه ، فأنبتت الشوك ، ولم تشرب بعده دما. روى غياث بن إبراهيم عن أبي إسحاق الهمداني عن قال: لما قتل علي قابيل بن آدم هابيل أخاه بكاه آدم عليه السلام فقال
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي لون
وقل بشاشة الوجه المليح
قال فأجيب آدم:
أبا هابيل قد قتلا جميعا وصار الحي كالميت الذبيح
وجاء بشر ما قد كان منه على خوف فجاء بها تصيح
واختلف في فقال قوم كان كافرا ، وقال آخرون بل كان رجل سوء فاسقا. قال قابيل هل كان عند قتل أخيه كافرا أو فاسقا؟ : لم يزل بنو ابن جريج آدم في نكاح الأخوات حتى مضي أربعة آباء ، فنكح ابنة عمه وذهب نكاح الأخوات. قوله تعالى: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك معناه لئن بدأتني بالقتل لم أبدأك بمثله ، وفي امتناعه من دفعه قولان: أحدهما: منعه منه التحرج مع قدرته عليه وجوازه له ، وهذا قول ، ابن عباس . والثاني: أنه لم يكن له الامتناع ممن أراد إذ ذاك ، وهذا قول وعبد الله بن عمر مجاهد . [ ص: 30 ] قوله تعالى: والحسن إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك معناه ترجع ، وفيه تأويلان: أحدهما: أن تبوء بإثم قتلي وإثمك الذي عليك من معاصيك وذنوبك ، وهذا قول ، ابن عباس والثاني: يعني أن تبوء بإثمي في خطاياي ، وإثمك بقتلك لي ، فتبوء بهما جميعا ، وهذا قول وابن مسعود. . وروى مجاهد ، عند الأعمش عبد الله بن مرة ، عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن مسعود . قوله تعالى: ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله معنى طوعت أي فعلت من الطاعة ، وفيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني شجعت ، وهو قول . والثاني: يعني زينت ، وهو قول مجاهد . والثالث: يعني فساعدته. وكان قتادة هابيل أول من قتل في الأرض ، وقيل إن قابيل لم يدر كيف يقتله حتى ظهر له إبليس فعلمه ، وقيل إنه قتله غيلة ، بأن ألقى عليه وهو نائم صخرة ، شدخه بها. قوله تعالى: فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه فيه تأويلان: أحدهما: يعني عورة أخيه. والثاني: جيفة أخيه لأنه تركه حتى أنتن ، فقيل لجيفته سوأة. وفي الغراب المبعوث قولان: [ ص: 31 ] أحدهما: أنه كان ملكا على صورة الغراب ، فبحث الأرض على سوأة أخيه حتى عرف كيف يدفنه. والثاني: أنه كان غرابا بحث الأرض على غراب آخر. قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين قيل إنه ندم على غير الوجه الذي تصح منه التوبة ، فلذلك لم تقبل منه ، ولو ندم على الوجه الصحيح لقبلت توبته. وروى ، عن معمر ، عن قتادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: الحسن إن ابني آدم ضربا مثلا لهذه الأمة ، فخذوا من خيرهما ، ودعوا شرهما .