[ ص: 82 ] قوله تعالى: إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ، الكسائي وحده هل تستطيع ربك بالتاء والإدغام ، وربك بالنصب ، وفيها وجهان: أحدهما: معناه هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله ، قاله قرأ . والثاني: هل تستطيع أن تسأل ربك ، قاله الزجاج ، مجاهد وقرأ الباقون وعائشة. هل يستطيع ربك بالياء والإظهار ، وفي ذلك التأويل ثلاثة أوجه: أحدها: هل يقدر ربك ، فكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله تعالى. والثاني: معناه هل يفعل ربك ، قاله ، لأنهم سموا بالحواريين بعد إيمانهم. والثالث: معناه هل يستجيب لك ربك ويطيعك. الحسن أن ينزل علينا مائدة من السماء قاله ، قال السدي قطرب : والمائدة لا تكون مائدة حتى يكون عليها طعام ، فإن لم يكن قيل: خوان ، وفي تسميتها مائدة وجهان: أحدهما: لأنها تميد ما عليها أي تعطي ، قال رؤبة
... ... ... إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطي. والثاني: لحركتها بما عليها من قولهم: ماد الشيء إذا مال وتحرك ، قال الشاعر
لعلك باك إن تغنت حمامة يميد غصن من الأيك مائل
قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فيه قولان: [ ص: 83 ] أحدهما: يعني اتقوا معاصي الله إن كنتم مؤمنين به ، وإنما أمرهم بذلك لأنه أولى من سؤالهم. والثاني: يعني اتقوا الله في سؤال الأنبياء إما طلبا لعنتهم وإما استزادة للآيات منهم ، إن كنتم مؤمنين بهم ومصدقين لهم لأن ما قامت به دلائل صدقهم يغنيكم عن استزادة الآيات منهم. قوله تعالى: قالوا نريد أن نأكل منها وهذا اعتذار منهم بينوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه فقالوا: نريد أن نأكل منها يحتمل وجهين: [ ص: 84 ] أحدهما: أنهم أرادوا الأكل منها للحاجة الداعية إليها. والثاني: أنهم أرادوه تبركا بها لا لحاجة دعتهم إليها ، وهذا أشبه لأنهم لو احتاجوا لم ينهوا عن السؤال. وتطمئن قلوبنا يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: تطمئن إلى أن الله تعالى قد بعثك إلينا نبيا. والثاني: تطمئن إلى أن الله تعالى قد اختارنا لك أعوانا. والثالث: تطمئن إلى أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا. ونعلم أن قد صدقتنا في أنك نبي إلينا ، وذلك على الوجه الأول. وعلى الوجه الثاني: صدقتنا في أننا أعوان لك. وعلى الوجه الثالث: أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا. وفي قولهم ونعلم وجهان: أحدهما: أنه علم مستحدث لهم بهذه الآية بعد أن لم يكن ، وهذا قول من زعم أن السؤال كان قبل استحكام المعرفة. والثاني: أنهم استزادوا بذلك علما إلى علمهم ويقينا إلى يقينهم ، وهذا قول من زعم أن السؤال كان بعد التصديق والمعرفة. ونكون عليها من الشاهدين يحتمل وجهين. أحدهما: من الشاهدين لك عند الله بأنك قد أديت ما بعثك به إلينا. والثاني: من الشاهدين عند من يأتي من قومنا بما شاهدناه من الآيات الدالة على أنك نبي إليهم وإلينا. قوله تعالى: قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء إنما زيدت الميم في آخر اللهم مثقلة عوضا عن حرف النداء ، فلم يجز أن يدخل عليه حرف النداء فلا يقال يا اللهم لأن الميم المعوضة منه أغنت عنه ، فأما قول الشاعر
وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهم
أردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعدما
فلأن ضرورة الشعر جوزته. سأل عيسى ربه ، أن ينزل عليهم المائدة التي سألوه ، وفي سؤاله وجهان: أحدهما: أنه تفضل عليهم بالسؤال ، وهذا قول من زعم أن السؤال بعد استحكام المعرفة. والثاني: أنه رغبة منه إلى الله تعالى في إظهار صدقه لهم ، وهذا قول من زعم أن السؤال قبل استحكام المعرفة. تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: نتخذ اليوم الذي أنزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا قاله قتادة . وقيل: إن المائدة أنزلت عليهم في يوم الأحد غداة وعشية ، ولذلك جعلوا الأحد عيدا. والثاني: معناه عائدة من الله تعالى علينا ، وبرهانا لنا ولمن بعدنا. والثالث: يعني نأكل منها جميعا ، أولنا وآخرنا ، قاله والسدي . ابن عباس وآية منك يعني علامة الإعجاز الدالة على توحيدك وقيل التي تدل على صدق أنبيائك. [ ص: 85 ] الشكر على ما أنعمت به علينا من إجابتك ، وقيل: ارزقنا ذلك من عندك. قوله تعالى: قال الله إني منزلها عليكم وهذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤال عيسى إجابة للحواريين. واختلفوا في على ثلاثة أقاويل. أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى لخلقه ، ينهاهم به عن مسألة الآيات لأنبيائه ، قاله نزول المائدة . والثاني: أنهم سألوا ووعدهم بالإجابة ، فلما قال لهم: مجاهد فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين استعفوا منها فلم تنزل عليهم ، قاله . والثالث: أنهم سألوا فأجابهم ، ولم يستعفوا ، لأنه ما حكى الاستعفاء عنهم ، ثم أنزلها عليهم ، لأنه قد وعدهم ، ولا يجوز أن يخلف وعده. ومن قال بهذا اختلفوا في الذي كان عليها حين نزلت على ستة أقاويل: أحدها: أنه كان عليها ثمار الجنة ، قاله الحسن . والثاني: أنه كان عليها خبز ولحم ، قاله قتادة . والثالث: أنه كان عليها سبعة أرغفة ، قاله عمار بن ياسر . والرابع: كان عليها سمكة فيها طعم كل الطعام ، قاله إسحاق بن عبد الله ، عطاء وعطية. والخامس: كان عليها كل طعام إلا اللحم ، قاله ميسرة . والسادس: رغيفان وحوتان ، أكلوا منها أربعين يوما في سفرة ، وكانوا ومن معهم نحو خمسة آلاف ، قاله جويبر . وأمروا أن يأكلوا منها ولا يخونوا ولا يدخروا ، فخانوا وادخروا فرفعت. وفي قوله تعالى: عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين قولان: أحدهما: يعني من عالمي زمانهم. [ ص: 86 ] والثاني: من سائر العالمين كلهم. وفيهم قولان: أحدهما: هو أن يمسخهم قردة ، قاله . والثاني: أنه جنس من العذاب لا يعذب به غيرهم لأنهم كفروا بعد أن رأوا من الآيات ما لم يره غيرهم ، فكانوا أعظم كفرا فصاروا أعظم عذابا. وهل هذا العذاب في الدنيا أو في الآخرة؟ قولان: وفي الحواريين قولان: أحدهما: أنهم خواص الأنبياء. والثاني: أنهم المندوبون لحفظ شرائعهم إما بجهاد أو علم. وفي تسميتهم بذلك ثلاثة أقاويل: أحدها: لبياض ثيابهم ، وهذا قول قتادة ، تشبيها بما هم عليه من نقاء سرائرهم ، قاله ابن عباس ، وهو بلغة القبط حواري. والثاني: لنظافة ثيابهم وطهارتها بطهارة قلوبهم. والثالث: بجهادهم عن أنبيائهم ، قال الشاعر الضحاك
ونحن أناس نملأ البيد مأمنا ونحن حواريون حين نزاحف