قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر فيه ثلاثة أقاويل: أحدهما: أن آزر اسم أبيه ، قاله ، الحسن ، والسدي ، قال ومحمد بن إسحاق محمد: كان رجلا من أهل كوتى قرية من سواد الكوفة. والثاني: أن آزر اسم صنم ، وكان اسم أبيه تارح ، قال . والثالث: أنه ليس باسم ، وإنما هو صفة سب بعيب ، ومعناه معوج ، كأنه عابه باعوجاجه عن الحق ، قاله مجاهد . فإن قيل: فكيف يصح من الفراء إبراهيم - وهو نبي - سب أباه؟ قيل: لأنه سبه بتضييعه حق الله تعالى ، وحق الوالد يسقط في تضييع حق الله. [ ص: 135 ] قوله تعالى: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ذلك وذاك وذا: إشارات ، إلا أن ذا لما قرب ، وذلك لما بعد ، وذاك لتفخيم شأن ما بعد. وفي المراد بملكوت السماوات والأرض خمسة أوجه: أحدها: أنه خلق السماوات والأرض ، قاله . والثاني: ملك السماوات والأرض. واختلف من قال بهذا فيه على وجهين: أحدهما: أن الملكوت هو الملك بالنبطية ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه الملك بالعربية ، يقال ملك وملكوت كما يقال رهبة ورهبوت ، ورحمة ورحموت ، مجاهد والعرب تقول: رهبوت خير من رحموت ، أي أن نرهب خير من أن نرحم ، قاله والثالث: معناه آيات السماوات والأرض ، قاله الأخفش. . والرابع: هو الشمس والقمر والنجوم ، قاله مقاتل . والخامس: أن ملكوت السماوات: القمر ، والنجوم ، والشمس ، وملكوت الأرض: الجبال ، والشجر ، والبحار ، قاله الضحاك . قتادة وليكون من الموقنين يحتمل وجهين: أحدهما: من الموقنين لوحدانية الله تعالى وقدرته. [ ص: 136 ] والثاني: من الموقنين نبوته وصحة رسالته. قوله عز وجل: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال : ذكر لنا أنه رأى الزهرة طلعت عشاء. مجاهد قال هذا ربي ومعنى جن عليه الليل ، أي ستره ، ولذلك سمي البستان جنة لأن الشجر يسترها ، والجن لاستتارهم عن العيون ، والجنون لأنه يستر العقل ، والجنين لأنه مستور في البطن ، والمجن لأنه يستر المتترس ، قال الهذلي
وماء وردت قبيل الكرى وقد جنه السدف الأدهم
وفي قوله تعالى: هذا ربي خمسة أقاويل: أحدها: أنه قال: هذا ربي في ظني ، لأنه في حال تقليب واستدلال. والثاني: أنه قال ذلك اعتقادا أنه ربه ، قاله . والثالث: أنه قال ذلك في حال الطفولية والصغر ، لأن أمه ولدته في مغارة حذرا عليه من ابن عباس نمرود ، فلما خرج عنه قال هذا القول قبل قيام الحجة عليه ، لأنها حال لا يصح فيها كفر ولا إيمان ، ولا يجوز أن يكون قال ذلك بعد البلوغ. والرابع: أنه لم يقل ذلك قول معتقد ، وإنما قاله على وجه الإنكار لعبادة [ ص: 137 ] الأصنام ، فإذا كان الكوكب والشمس والقمر وما لم تصنعه يد ولا عمله بشر لم تكن معبودة لزوالها ، فالأصنام التي هي دونها أولى ألا تكون معبودة. والخامس: أنه قال ذلك توبيخا على وجه الإنكار الذي يكون معه ألف الاستفهام وتقديره: أهذا ربي ، كما قال الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجه هم هم
بمعنى أهم هم؟ فلما أفل أي غاب ، قال ذو الرمة
مصابيح ليست باللواتي يقودها نجوم ولا بالآفلات الدوالك
قال لا أحب الآفلين يعني حب رب معبود ، وإلا فلا حرج في محبتهم غير حب الرب. فلما رأى القمر بازغا أي طالعا ، وكذلك بزغت الشمس أي طلعت. فإن قيل: فلم كان أفولها دليلا على أنه لا يجوز عبادتها وقد عبدها مع العلم بأفولها خلق من العقلاء؟ قيل لأن تغيرها بالأفول دليل على أنها مدبرة محدثة ، وما كان بهذه الصفة استحال أن يكون إلها معبودا.