وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون
قوله عز وجل: وما قدروا الله حق قدره فيه أربعة تأويلات: أحدها: وما عظموه حق عظمته ، قاله ، الحسن ، والفراء . والثاني: وما عرفوه حق معرفته ، قاله والزجاج . والثالث: وما وصفوه حق صفته ، قاله أبو عبيدة والرابع: وما آمنوا بأن الله على كل شيء قدير ، قاله الخليل. . ابن عباس إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء يعني من كتاب من السماء. وفي هذا الكتاب الذي أنكروا نزوله قولان: أحدهما: أنه التوراة ، أنكر حبر اليهود فيما أنزل منها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الحبر اليهودي سمينا ، فقال له: (أما تقرءون في التوراة: أن الله يبغض الحبر السمين فغضب من ذلك وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء ، فتبرأت منه اليهود ولعنته ، حكاه ابن بحر . والقول الثاني: أنه القرآن أنكروه ردا لأن يكون القرآن منزلا. وفي قائل ذلك قولان: أحدهما: قريش. والثاني: اليهود. فرد الله تعالى عليهم بقوله: قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى يعني التوراة لاعترافهم بنزولها. [ ص: 142 ] ثم قال: نورا وهدى للناس لأن المنزل من السماء لا يكون إلا نورا وهدى. ثم قال: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا يعني أنهم يخفون ما في كتابهم من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وصفته وصحة رسالته. قوله عز وجل: وهذا كتاب أنزلناه مبارك يعني القرآن ، وفي ( مبارك ) ثلاثة أوجه: أحدها: أنه العظيم البركة لما فيه من الاستشهاد به. والثاني: لما فيه من زيادة البيان لأن البركة هي الزيادة. والثالث: أن المبارك الثابت. مصدق الذي بين يديه فيه قولان: أحدهما: الكتب التي قبله من التوراة ، والإنجيل ، وغيرهما ، قاله والثاني: النشأة الثانية ، قاله الحسن البصري. علي بن عيسى. ولتنذر أم القرى يعني أهل أم القرى ، فحذف ذكر الأهل إيجازا كما قال: واسأل القرية [يوسف: 82] . و أم القرى مكة وفي تسميتها بذلك أربعة أقاويل: - أحدها: لأنها مجتمع القرى ، كما يجتمع الأولاد إلى الأم. والثاني: لأن ، فكأن القرى نشأت عنها ، قاله أول بيت وضع بها . والثالث: لأنها معظمة كتعظيم الأم ، قاله السدي . والرابع: لأن الناس يؤمونها من كل جانب ، أي يقصدونها. ثم قال: الزجاج ومن حولها قال : هم أهل الأرض كلها. [ ص: 143 ] ابن عباس والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وفيما ترجع إليه هذه الكناية قولان: أحدهما: إلى الكتاب ، وتقديره: والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون بهذا الكتاب ، قاله . والثاني: إلى الكلبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقديره: والذين يؤمنون بالآخرة ، يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم لما قد أظهر الله تعالى من معجزته وأبانه الله من صدقه ، قاله . فإن قيل: فيمن يؤمن بالآخرة من أهل الكتاب لا يؤمنون به؟ قيل: لا اعتبار لإيمانهم بها لتقصيرهم في حقها ، فصاروا بمثابة من لم يؤمن بها.
الفراء