بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير
قوله عز وجل: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فيه لأهل التأويل خمسة أقاويل: [ ص: 152 ] أحدها: معناه لا تحيط به الأبصار ، وهو يحيط بالأبصار ، واعتل قائل هذا بقوله: حتى إذا أدركه الغرق فوصف الله الغرق بأنه أدرك فرعون ، وليس الغرق موصوفا بالرؤية ، كذلك الإدراك هنا ، وليس ذلك بمانع من الرؤية بالإبصار ، غير أن هذا اللفظ لا يقتضيه وإن دل عليه قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة والقول الثاني: معناه لا تراه الأبصار وهو يرى الأبصار ، واعتل قائلو ذلك بأمرين: أحدهما: أن الأبصار ترى ما بينها ولا ترى ما لاصقها ، وما بين البصر فلا بد أن يكون بينهما فضاء ، فلو رأته الأبصار لكان محدودا ولخلا منه مكان ، وهذه صفات الأجسام التي يجوز عليها الزيادة والنقصان. والثاني: أن الأبصار تدرك الألوان كما أن السمع يدرك الأصوات ، فلما امتنع أن يكون ذا لون امتنع أن يكون مرئيا ، كما أن ما امتنع أن يكون ذا صوت امتنع أن يكون مسموعا. والقول الثالث: لا تدركه أبصار الخلق في الدنيا بدليل قوله: لا تدركه الأبصار وتدركه في الآخرة بدليل قوله: إلى ربها ناظرة [القيامة: 23] وهو يدرك الأبصار في الدنيا والآخرة. والرابع: لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة ، وتدركه أبصار المؤمنين ، وهو يدرك الأبصار في الدنيا والآخرة ، لأن الإدراك له كرامة تنتفي عن أهل المعاصي. [ ص: 153 ] والقول الخامس: أن الأبصار لا تدركه في الدنيا والآخرة ، ولكن الله يحدث لأوليائه حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس يرونه بها ، اعتلالا بأن الله أخبر برؤيته ، فلو جاز أن يرى في الآخرة بهذه الأبصار وإن زيد في قواها جاز أن يرى بها في الدنيا وإن ضعفت قواها بأضعف من رؤية الآخرة ، لأن ما خلق لإدراك شيء لا يعدم إدراكه ، وإنما يختلف الإدراك بحسب اختلاف القوة والضعف ، فلما كان هذا مانعا من الإدراك - وقد أخبر الله تعالى بإدراكه - اقتضى أن يكون ما أخبر به حقا لا يدفع بالشبه ، وذلك بخلق حاسة أخرى يقع بها الإدراك. ثم قال: وهو اللطيف الخبير فاحتمل وجهين من التأويل: أحدهما: لطيف بعباده في الإنعام عليهم ، خبير بمصالحهم. والثاني: لطيف في التدبير خبير بالحكمة.