قوله عز وجل: قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها والفرق بين الملة والدين أن الملة ما شرعه الله ، والدين ما اعتقده الناس تقربا إلى الله ، فصار كل دين ملة وليس كل ملة دينا. فإن قيل: فالعود إلى الشيء الرجوع إليه بعد الخروج منه فهل كان شعيب على ملة قومه من الكفر حتى يقول: إن عدنا في ملتكم في الجواب عنه ثلاثة أوجه: [ ص: 240 ] أحدها: أن هذه حكاية عمن اتبع شعيبا من قومه الذين كانوا قبل اتباعه على ملة الكفر.
الثاني: أنه قال ذلك على التوهم أنه لو كان عليها لم يعد إليها. والثالث: أنه يطلق ذكر العود على المبتدئ بالفعل وإن لم يسبق منه فعل مثله من قولهم: قد عاد علي من فلان مكروه وإن لم يسبقه بمثله كقول الشاعر:
لئن كانت الأيام أحسن مرة إلي فقد عادت لهن ذنوب أتى دون حلو العيش شيء أمره
كروب على آثارهن كروب
ثم قال: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا فيه قولان: أحدهما: أن نعود في القرية إلا أن يشاء الله ، قاله بعض المتكلمين. والثاني: وهو قول الجمهور أن نعود في ملة الكفر وعبادة الأوثان. فإن قيل فالله تعالى لا يشاء عبادة الأوثان فما وجه هذا القول من شعيب؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه قد كان في ملتهم ما يجوز التعبد به. والثاني: أنه لو شاء عبادة الوثن لكانت عبادته طاعة لأنه شاءه كتعبده بتعظيم الحجر الأسود. والثالث: أن هذا القول من شعيب على التعبيد والامتناع كقوله تعالى: حتى يلج الجمل في سم الخياط [الأعراف: 40] وكقولهم: حتى يشيب الغراب. ثم قال: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين فيه وجهان: أحدهما: اكشف بيننا وبين قومنا ، قاله . والثاني: احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين. وذكر قتادة ، أن أهل الفراء عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح. وقال غيره: إنه لغة مراد ، قال الشاعر:
ألا أبلغ بني عصم رسولا بأني عن فتاحكم غني