قوله عز وجل: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى اختلف في سبب نزولها على ثلاثة أقاويل: أحدها: ما روى عن مسروق قال: ابن مسعود رضي الله عنه ، فدعاه ثم دعانا فقال: (ما أبكاكم؟ قلنا: بكينا لبكائك ، قال: (إن عمر بن الخطاب ، وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي ، وأنزل الله علي: القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى الآية. فأخذني ما يأخذ الولد للوالد ، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة). والثاني: أنها نزلت في خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى، فبكينا لبكائه ، ثم قام ، فقام إليه أبي طالب ، روى عن أبيه قال: سعيد بن المسيب أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال صلى الله عليه وسلم: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر شيء كلمهم به أن قال: أنا على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فنزلت لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) الآية. والثالث: أنها نزلت فيما رواه لما حضرت أبو الخليل عن رضي الله [ ص: 410 ] عنه قال: علي بن أبي طالب سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ قال: أولم يستغفر إبراهيم لأبويه؟ فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين قوله عز وجل: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه الآية. عذر الله تعالى إبراهيم عليه السلام في استغفاره لأبيه مع شركه لسالف موعده ورجاء إيمانه. وفي موعده الذي كان يستغفر له من أجله قولان: أحدهما: أن أباه وعده أنه إن استغفر له آمن. والثاني: أن إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له لما كان يرجوه أنه يؤمن. فلما تبين له أنه عدو لله وذلك بموته على شركه وإياسه من إيمانه تبرأ منه أي من أفعاله ومن استغفاره له ، فلم يستغفر له بعد موته. إن إبراهيم لأواه حليم فيه عشرة تأويلات: أحدها: أن الأواه: الدعاء ، أي الذي يكثر الدعاء ، قاله ابن مسعود.
الثاني: أنه الرحيم ، قاله . الحسن
الثالث: أنه الموقن ، قاله عكرمة . وعطاء
الرابع: أنه المؤمن ، بلغة الحبشة ، قاله . ابن عباس
الخامس: أنه المسبح ، قاله سعيد بن المسيب.
السادس: أنه الذي يكثر تلاوة القرآن ، وهذا مروي عن أيضا. ابن عباس
السابع: أنه المتأوه ، قاله أبو ذر.
الثامن: أنه الفقيه ، قاله . مجاهد
التاسع: أنه المتضرع الخاشع ، رواه عبد الله بن شداد بن الهاد عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ ص: 411 ] العاشر: أنه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها ، قاله وأصل الأواه من التأوه وهو التوجع ، ومنه قول أبو أيوب. المثقب العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين