الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا قال ابن عباس : ساء ظنه بقومه وضاق ذرعا بأضيافه. ويحتمل وجها آخر أنه ساء ظنه برسل ربه ، وضاق ذرعا بخلاص نفسه لأنه نكرهم قبل معرفتهم. وقال هذا يوم عصيب أي شديد لأنه خاف على الرسل من قومه أن يفضحوهم على قول ابن عباس ، وعلى الاحتمال الذي ذكرته خافهم على نفسه فوصف يومه بالعصيب وهو الشديد ، قال الشاعر: [ ص: 488 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وإنك إلا ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب



                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو عبيدة : وإنما قيل له عصيب لأنه يعصب الناس بالشر ، قال الكلبي : كان بين قرية إبراهيم وقوم لوط أربعة فراسخ. قوله عز وجل: وجاءه قومه يهرعون إليه أي يسرعون ، والإهراع بين الهرولة والحجزى. قال الكسائي والفراء : لا يكون الإهراع إلا سراعا مع رعدة. وكان سبب إسراعهم إليه أن امرأة لوط أعلمتهم بأضيافه وجمالهم فأسرعوا إليه طلبا للفاحشة منهم. ومن قبل كانوا يعملون السيئات فيه وجهان: أحدهما: من قبل إسراعهم إليه كانوا ينكحون الذكور ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه كانت اللوطية في قوم لوط في النساء قبل الرجال بأربعين سنة ، قاله عمر بن أبي زائدة. قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال لهم لوط ذلك ليفتدي أضيافه منهم. هؤلاء بناتي فيهن قولان: أحدهما: أنه أراد نساء أمته ولم يرد بنات نفسه. قال مجاهد وكل نبي أبو أمته وهم أولاده. وقال سعيد بن جبير : كان في بعض القرآن: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه أراد بنات نفسه وأولاد صلبه لأن أمره فيهن أنفذ من أمره في غيرهن ، وهو معنى قول حذيفة بن اليمان. فإن قيل: كيف يزوجهم ببناته مع كفر قومه وإيمان بناته؟ قيل عن هذا ثلاثة أجوبة: أحدها: أنه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة ، وكان هذا في صدر الإسلام جائزا حتى نسخ ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه يزوجهم على شرط الإيمان كما هو مشروط بعقد النكاح.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه قال ذلك ترغيبا في الحلال وتنبيها على المباح ودفعا للبادرة من غير بذل نكاحهن ولا بخطبتهن ، قاله ابن أبي نجيح. [ ص: 489 ] هن أطهر لكم أي أحل لكم بالنكاح الصحيح. فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا تذلوني بعار الفضيحة ، ويكون الخزي بمعنى الذل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لا تهلكوني بعواقب فسادكم ، ويكون الخزي بمعنى الهلاك.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أن معنى الخزي ها هنا الاستحياء ، يقال خزي الرجل إذا استحى ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت     بها مرطها أو زايل الحلي جيدها



                                                                                                                                                                                                                                        والضيف: الزائر المسترقد ، ينطلق على الواحد والجماعة ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        لا تعدمي الدهر شفار الجازر     للضيف والضيف أحق زائر



                                                                                                                                                                                                                                        أليس منكم رجل رشيد فيه وجهان: أحدهما: أي مؤمن ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: آمر بالمعروف وناه عن المنكر ، قاله أبو مالك. ويعني: رجل رشيد ليدفع عن أضيافه ، وقال ذلك تعجبا من اجتماعهم على المنكر. قوله عز وجل: قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق فيه وجهان: أحدهما: ما لنا فيهن حاجة ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ليس لنا بأزواج ، قاله محمد بن إسحاق . وإنك لتعلم ما نريد فيه وجهان: أحدهما: تعلم أننا لا نتزوج إلا بامرأة واحدة وليس منا رجل إلا له امرأة ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أننا نريد الرجال. [ ص: 490 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية