قوله عز وجل: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق فيه أربعة أوجه: أحدها: أن الزفير الصوت الشديد ، والشهيق الصوت الضعيف ، قاله . ابن عباس
الثاني: أن الزفير في الحلق من شدة الحزن ، مأخوذ من الزفير ، والشهيق في الصدر ، قاله . الربيع بن أنس
الثالث: أن الزفير تردد النفس من شدة الحزن ، مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر لشدته ، والشهيق النفس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم جبل شاهق أي طويل ، قاله . ابن عيسى
الرابع: أن الزفير أول نهيق الحمار ، والشهيق آخر نهيقه ، قال الشاعر: [ ص: 505 ]
حشرج في الجوف سحيلا أو شهق حتى يقال ناهق وما نهق
خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك فيه ثمانية تأويلات: أحدها: خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها حكاه . ابن عيسى
الثاني: ما دامت سماوات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة ، قاله بعض المتأخرين.
الثالث: ما دامت السماوات والأرض ، أي مدة لبثهم في الدنيا ، قاله . ابن قتيبة
الرابع: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها ، قاله ، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة ، حكاه قتادة عن الضحاك ، وروى ابن عباس عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك (يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون.
الخامس: إلا ما شاء من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها ، قاله يرويه مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم. أبو نضرة
السادس: إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء ، قاله . ابن عباس
السابع: أن الاستثناء راجع إلى قولهم لهم فيها زفير وشهيق إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما لم يسم ولم يوصف ومما قد [ ص: 506 ] سمي ووصف ، ثم استأنف ما دامت السماوات والأرض حكاه ابن الأنباري.
الثامن: أن الاستثناء واقع على معنى لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل ولكن الذي يريده ويشاؤه ويحكم به تخليدهم. وفي تقدير خلودهم بمدة السماوات والأرض وجهان: أحدهما: أنها سماوات الدنيا وأرضها ، ولئن كانت فانية فهي عند العرب كالباقية على الأبد فذكر ذلك على عادتهم وعرفهم كما قال زهير:
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
والوجه الثاني: أنها سماوات الآخرة وأرضها لبقائها على الأبد.