مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثماني آيات من قوله تعالى وإن كادوا ليفتنونك إلى قوله سلطانا نصيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير
قوله عز وجل: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أما قوله سبحان ففيه تأويلان: أحدهما: تنزيه الله تعالى من السوء ، وقيل بل نزه نفسه أن يكون لغيره في إسراء عبده تأثير.
الثاني: معناه برأه الله تعالى من السوء ، وقد قال الشاعر :
أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر
وهو ذكر تعظيم لله لا يصلح لغيره ، وإنما ذكره الشاعر على طريق النادر، وهو
[ ص: 224 ] من السبح في التعظيم وهو الجري فيه إلى أبعد الغايات. وذكر أبان بن ثعلبة أنها كلمة بالنبطية (شبهانك) . وقد ذكر الكلبي إن سبحان في هذا الموضع بمعنى عجب ، وتقدير الآية: عجب من الذي أسرى بعبده ليلا ، وقد وافق على هذا التأويل ومقاتل: سيبويه وقطرب ، وجعل البيت شاهدا عليه ، وأن معناه عجب من علقمة الفاخر. ووجه هذا التأويل أنه إذا كان مشاهدة العجب سببا للتسبيح صار التسبيح تعجبا فقيل عجب ، ومثله قول : بشار
تلقي بتسبيحة من حيثما انصرفت وتستفز حشا الرائي بإرعاد
وقد جاء التسبيح في الكلام على أربعة أوجه: أحدها: أن يستعمل في موضع الصلاة ، من ذلك قوله تعالى: فلولا أنه كان من المسبحين [الصافات: 143] أي من المصلين.
الثاني: أن يستعمل في الاستثناء ، كما قال بعضهم في قوله تعالى: ألم أقل لكم لولا تسبحون [القلم: 28] أي لولا تستثنون.
الثالث: النور ، للخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأحرقت سبحات وجهه) أي نور وجهه.
الرابع: التنزيه ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التسبيح فقال: (تنزيه الله تعالى عن السوء) . وقوله تعالى: أسرى بعبده أي بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والسرى: سير الليل ، قال الشاعر :
وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني من سراها ليت
وقوله من المسجد الحرام فيه قولان:
[ ص: 225 ] أحدهما: يعني من الحرم ، والحرم كله مسجد. وكان صلى الله عليه وسلم حين أسري به نائما في بيت ، روى ذلك أم هانئ بنت أبي طالب عن أبو صالح أم هانئ.
الثاني: أنه أسرى به من المسجد ، وفيه كان حين أسري به روى ذلك ثم اختلفوا في أنس بن مالك. على قولين: أحدهما: أنه أسري بجسمه وروحه ، روى ذلك كيفية إسرائه ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو هريرة واختلف قائلو ذلك هل دخل وحذيفة بن اليمان. بيت المقدس وصلى فيه أم لا ؟ فروى أنه صلى فيه بالأنبياء ، ثم عرج به إلى السماء ، ثم رجع به إلى أبو هريرة المسجد الحرام فصلى فيه صلاة الصبح من صبيحة ليلته. وروى أنه لم يدخل حذيفة بن اليمان بيت المقدس ولم يصل فيه ولا نزل عن البراق حتى عرج به ، ثم عاد إلى ملكه. والقول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري بروحه ولم يسر بجسمه ، روي ذلك عن رضي الله عنها قالت: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه. وروي عن عائشة قال: كانت رؤيا من الله تعالى صادقة ، وكان معاوية الحسن
[ ص: 226 ] يتأول قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [الإسراء: 60] أنها في المعراج ؛ لأن المشركين كذبوا ذلك وجعلوا يسألونه عن بيت المقدس وما رأى في طريقه فوصفه لهم ، ثم ذكر لهم أنه رأى في طريقه قعبا مغطى مملوءا ماء ، فشرب الماء ثم غطاه كما كان ، ثم ذكر لهم صفة إبل كانت لهم في طريق الشام تحمل متاعا ، وأنها تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أورق; فخرجوا في ذلك اليوم يستقبلونها ، فقال قائل منهم: هذه والله الشمس قد أشرقت ولم تأت ، وقال آخر: هذه والله العير يقدمها جمل أورق كما قال محمد. وفي هذا دليل على صحة القول الأول أنه أسري بجسمه وروحه. وقوله تعالى: إلى المسجد الأقصى يعني بيت المقدس ، وهو مسجد سليمان بن داود عليهما السلام وسمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام. ثم قال تعالى: الذي باركنا حوله فيه قولان: أحدهما: يعني بالثمار ومجاري الأنهار.
الثاني: بمن جعل حوله من الأنبياء والصالحين ؛ ولهذا جعله مقدسا. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : معاذ بن جبل
[ ص: 227 ] صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي) . (يقول الله تعالى: يا شام أنت لنريه من آياتنا فيه قولان: أحدهما: أن الآيات التي أراه في هذا المسرى أن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة ، وهي مسيرة شهر.
الثاني: أنه أراه في هذا المسرى آيات. وفيها قولان: أحدهما: ما أراه من العجائب التي فيها اعتبار.
الثاني: من أري من الأنبياء حتى وصفهم واحدا واحدا. إنه هو السميع البصير فيه وجهان: أحدهما: أنه وصف نفسه في هذه الحال بالسميع والبصير ، وإن كانتا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها لأنه حفظ رسوله عند إسرائه في ظلمة الليل فلا يضر ألا يبصر فيها ، وسمع دعاءه فأجابه إلى ما سأل ، فلهذين وصف الله نفسه بالسميع البصير.
الثاني: أن قومه كذبوه عن آخرهم بإسرائه ، فقال: السميع يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب ، البصير لما يفعله من الإسراء والمعراج.