ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون
قوله تعالى: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه فيه ثلاثة تأويلات: [ ص: 193 ]
أحدها: أن ذلك سفه نفسه، أي فعل بها من السفه ما صار به سفيها، وهذا قول والثاني: أنها بمعنى سفه في نفسه، فحذف حرف الجر كما حذف من قوله تعالى: الأخفش. ولا تعزموا عقدة النكاح أي على عقدة النكاح، وهذا قول والثالث: أنها بمعنى أهلك نفسه وأوبقها، وهذا قول الزجاج. قال أبي عبيدة. المبرد سفه بكسر الفاء يتعدى، وسفه بضم الفاء لا يتعدى. وثعلب: ولقد اصطفيناه في الدنيا أي اخترناه، ولفظه مشتق من الصفوة، فيكون المعنى: اخترناه في الدنيا للرسالة. وإنه في الآخرة لمن الصالحين لنفسه في إنجائها من الهلكة. قوله تعالى: ووصى بها إبراهيم بنيه الهاء كناية ترجع إلى الملة لتقدم قوله: ومن يرغب عن ملة إبراهيم ووصى أبلغ من أوصى، لأن أوصى يجوز أن يكون قاله مرة واحدة، ووصى لا يكون إلا مرارا. ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين والمعنى أن إبراهيم وصى، ثم وصى بعده يعقوب بنيه، فقالا جميعا: يا بني إن الله اصطفى لكم الدين يعني اختار لكم الدين، أي الإسلام، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون فإن قيل: كيف ينهون عن الموت وليس من فعلهم، وإنما يماتون؟ قيل: هذا في سعة اللغة مفهوم المعنى، لأن النهي توجه إلى مفارقة الإسلام، لا إلى الموت، ومعناه: الزموا الإسلام ولا تفارقوه إلى الموت.