أخرج ، ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن وأبو الشيخ في قوله : مجاهد إلا تنصروه فقد نصره الله قال : ذكر ما كان من أول شأنه حين بعث، يقول الله : فأنا فاعل ذلك به، وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين .
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة ، وأحمد والبخاري ، ومسلم ، عن وابن أبي حاتم قال : البراء بن عازب من أبو بكر عازب رجلا بثلاثة عشر درهما فقال لعازب : مر فليحمله إلى منزلي، فقال : لا حتى تحدثنا كيف صنعت حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه . فقال البراء رضي الله عنه : خرجنا فأدلجنا، فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة، فضربت ببصري هل أرى ظلا فآوي إليه، فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها، فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة وقلت : [ ص: 363 ] اضطجع يا رسول الله فاضطجع، ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب، فإذا أنا براعي غنم فقلت : لمن أنت يا غلام؟ فقال : لرجل من أبو بكر قريش فسماه، فعرفته فقلت : هل في غنمك من لبن؟ قال : نعم، قلت : وهل أنت حالب لي؟ قال : نعم، قال : فأمرته فاعتقل شاة منها، ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ومعي إداوة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن فصببت على القدح حتى برد أسفله، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقته قد استيقظ فقلت : اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم قلت : هل أنى للرحيل؟ قال : فارتحلنا والقوم يطلبونا، فلم يدركنا منهم إلا سراقة على فرس له، فقلت : يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا فقال : لا تحزن إن الله معنا . حتى إذا دنا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة، فقلت : يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا وبكيت، قال : لم تبكي؟ قلت : أما والله ما أبكي على نفسي، ولكن أبكي عليك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللهم اكفناه بما شئت . فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها، وقال : يا محمد إن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب، وهذه كنانتي فخذ منها [ ص: 364 ] سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لي فيها . ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق ورجع إلى أصحابه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا في الطرق وعلى الأجاجير واشتد الخدم والصبيان في الطرق الله أكبر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد . وتنازع القوم أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك، فلما أصبح غدا حيث أمر . اشترى
وأخرج عن البخاري سراقة بن مالك قال : حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي، فقمت فركبت حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يلتفت وأبا بكر يكثر التلفت، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان فناديتهما بالأمان : فوقفا لي ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من [ ص: 365 ] الحبس عنهما أنه سيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر . خرجت أطلب النبي صلى الله عليه وسلم
وأخرج ابن مردويه في "الدلائل" عن وأبو نعيم قال : ابن عباس لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فلحق بغار ثور قال : وتبعه فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسه خلفه خاف أن يكون الطلب، فلما رأى ذلك أبو بكر، تنحنح فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفه، فقام له حتى تبعه فأتيا الغار فأصبحت أبو بكر قريش في طلبه، فبعثوا إلى رجل من قافة بني مدلج فتبع الأثر حتى انتهى إلى الغار وعلى بابه شجرة فبال في أصلها القائف، ثم قال : ما جاز صاحبكم الذي تطلبون هذا المكان، قال : فعند ذلك حزن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحزن إن الله معنا . قال : فمكث هو أبو بكر في الغار ثلاثة أيام يختلف إليهم بالطعام وأبو بكر عامر بن فهيرة وعلي يجهزهم فاشتروا ثلاثة أباعر من إبل البحرين واستأجر لهم دليلا، فلما كان في بعض الليل من الليلة الثالثة أتاهم علي بالإبل والدليل، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلة، وركب أخرى، وركب الدليل أخرى فتوجهوا نحو أبو بكر المدينة وقد بعثت قريش في طلبه .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس وعلي وعائشة بنت أبي بكر، وعائشة بنت قدامة وسراقة بن جعشم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : خرج [ ص: 366 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم والقوم جلوس على بابه فأخذ حفنة من البطحاء، فجعل يذرها على رؤوسهم ويتلو : يس والقرآن الحكيم الآيات [يس : 1-2] ومضى فقال لهم قائل : ما تنتظرون؟ قالوا : محمدا، قال : قد - والله - مر بكم، قالوا : والله ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وأبو بكر غار ثور، فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، وطلبته قريش أشد الطلب حتى انتهت إلى باب الغار، فقال بعضهم : إن عليه لعنكبوتا قبل ميلاد محمد . فانصرفوا .
وأخرج في "الدلائل" عن أبو نعيم عائشة بنت قدامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد خرجت من الخوخة متنكرا، فكان أول من لقيني أبو جهل فعمى الله بصره عني وعن حتى مضينا أبي بكر .
وأخرج عن أبو نعيم أسماء بنت أبي بكر رأى رجلا مواجه الغار فقال : يا رسول الله إنه لرائينا، قال : كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها . فلم ينشب الرجل أن قعد يبول مستقبلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر لو كان يرانا ما فعل هذا أبا بكر . أن
وأخرج عن أبو نعيم محمد بن إبراهيم التيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل الغار ضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، فلما انتهوا إلى فم [ ص: 367 ] الغار قال قائل منهم : ادخلوا الغار . قال أمية بن خلف : وما أربكم إلى الغار؟ إن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل العنكبوت وقال : إنها جند من جنود الله .
وأخرج في "الحلية" عن أبو نعيم عطاء بن ميسرة قال : نسجت العنكبوت مرتين، مرة على داود عليه السلام حين كان طالوت يطلبه ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم في الغار .
وأخرج ابن سعد وأبو نعيم كلاهما في "الدلائل" عن والبيهقي قال : أنس التفت وأبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال : يا نبي الله هذا فارس قد لحق بنا، فقال : اللهم اصرعه، فصرع عن فرسه فقال : يا نبي الله مرني بما شئت، قال : تقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا، فكان أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر النهار مسلحة له وفي ذلك يقول أبو بكر سراقة مخاطبا لأبي جهل :
أبا حكم والله لو كنت شاهدا لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدا
رسول ببرهان فمن ذا يقاومه
وأخرج أبو نعيم في "الدلائل" عن والبيهقي ابن شهاب وعروة، ثور الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصواتهم وأشفق وأبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف، فعند ذلك يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر لا تحزن إن الله معنا . ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه سكينة من الله فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين [الفتح : 26] : وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم [ ص: 370 ] وأخرج أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون له الجعل العظيم وأتوا على ابن شاهين، ، وابن مردويه عن وابن عساكر حبشي بن جنادة قال : يا رسول الله لو أن أحدا من المشركين رفع قدمه لأبصرنا، قال : يا أبو بكر : لا تحزن إن الله معنا أبا بكر . قال
وأخرج عن ابن عساكر قال : ابن عباس إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل فلم يبق إلا أن يدخلوا، فقال أتينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبو بكر : لا تحزن إن الله معنا . وانقطع الأثر فذهبوا يمينا وشمالا أبا بكر .
وأخرج عن ابن عساكر قال : علي بن أبي طالب خرج رسول الله وأخرج معه لم يأمن على نفسه غيره حتى دخلا الغار أبا بكر .
وأخرج ابن شاهين والدارقطني، ، وابن مردويه عن وابن عساكر قال : ابن عمر أنت صاحبي في الغار، وأنت معي على الحوض لأبي بكر : . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخرج من حديث ابن عساكر ابن عباس مثله . وأبي هريرة،
وأخرج ابن عدي، من طريق وابن عساكر عن الزهري أنس أن [ ص: 371 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل قلت في لحسان : شيئا؟ قال : نعم، قال : قل وأنا أسمع، فقال : أبي بكر
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صاعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا
وأخرج خيثمة بن سليمان الأطرابلسي في فضائل الصحابة، عن وابن عساكر قال : إن الله ذم الناس كلهم ومدح علي بن أبي طالب فقال : أبا بكر إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا .
وأخرج عن ابن عساكر قال : أبي بكر ما دخلني إشفاق من شيء ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين قال لي : هون عليك فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام .
وأخرج عن ابن عساكر قال : عاتب الله المسلمين جميعا في نبيه صلى الله عليه وسلم غير سفيان بن عيينة وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ : أبي بكر إلا تنصروه فقد نصره الله [ ص: 372 ] الآية .
وأخرج عن الحكيم الترمذي قال : لقد عاتب الله جميع أهل الأرض غير الحسن فقال : أبي بكر، إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين .
وأخرج من طريق ابن عساكر عن الزبير محمد بن يحيى قال : أخبرني بعض أصحابنا قال : قال شاب من أبناء الصحابة في مجلس فيه والله ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من موطن إلا وأنا فيه معه، فقال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : القاسم : يا ابن أخي لا تحلف، قال : هلم، قال : بلى ما لا ترده قال الله : ثاني اثنين إذ هما في الغار .
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة ، وأحمد والبخاري ، ومسلم وأبو عوانة، والترمذي ، وابن حبان ، وابن المنذر ، عن وابن مردويه قال : حدثني أنس قال : أبو بكر ما [ ص: 373 ] ظنك باثنين الله ثالثهما أبا بكر، . كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرأيت آثار المشركين فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدمه، فقال : يا
وأخرج ، ابن أبي شيبة وابن المنذر ، وأبو الشيخ في "الدلائل" وأبو نعيم أنهما لما انتهيا إلى الغار إذا جحر فألقمه أبي بكر، رجليه قال : يا رسول الله إن كانت لدغة أو لسعة كانت بي أبو بكر . عن
وأخرج عن ابن مردويه قال : أنس بن مالك لما كانت ليلة الغار قال يا رسول الله دعني فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شيء كانت بي قبلك، قال : ادخل، فدخل أبو بكر : فجعل يلمس بيديه فكلما رأى جحرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، وبقي جحر فوضع عليه عقبه وقال : ادخل، رسول الله . فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم : فأين ثوبك؟ يا أبو بكر فأخبره بالذي صنع فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة، أبا بكر فأوحى الله إليه : إن الله قد استجاب لك اللهم اجعل .
وأخرج عن ابن مردويه جندب بن سفيان قال : مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار قال له أبو بكر لا تدخل يا رسول الله حتى أستبرئه . أبو بكر :
[ ص: 374 ] فدخل الغار، فأصاب يده شيء، فجعل يمسح الدم عن أصبعه وهو يقول : أبو بكر
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وأخرج عن ابن مردويه جعدة بن هبيرة قال : قالت قال عائشة : أبو بكر : لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفطرتا دما، وأما قدماي فعادت كأنها صفوان، قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية عائشة : .
وأخرج ابن سعد، ، وابن مردويه وأبو نعيم في "الدلائل" عن والبيهقي قال : أدركت أبي مصعب أنس بن مالك وزيد بن أرقم فسمعتهم يتحدثون والمغيرة بن شعبة قريش من كل بطن رجل بعصيهم وأسيافهم وهراويهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعا فعجل بعضهم فنظر في الغار يرى فيه أحدا فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا : ما لك لم تنظر في الغار؟ فقال : رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف [ ص: 375 ] أن الله قد درأ عنه بهما فسمت النبي صلى الله عليه وسلم عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم فأفرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم . أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان
وأخرج في تاريخه بسند واه عن ابن عساكر قال : ابن عباس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب إلى صدر الغار فاشرب، فانطلق أبو بكر إلى صدر الغار فشرب منه ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأزكى رائحة من المسك، ثم عاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهرا من جنة الفردوس إلى صدر الغار لتشرب أبو بكر . كان
وأخرج عن ابن المنذر قال : والذي لا إله غيره لقد عوتب أصحاب الشعبي محمد صلى الله عليه وسلم كلهم في نصرته إلا فإن الله قال : أبا بكر إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار خرج والله من المعتبة . أبو بكر
وأخرج عن ابن أبي حاتم سالم بن عبيد - وكان من أهل الصفة - قال : أخذ بيد عمر فقال : من له هذه الثلاث؟ أبي بكر إذ يقول لصاحبه من صاحبه؟ إذ هما في الغار من هما؟ لا تحزن إن الله معنا .
[ ص: 376 ] وأخرج عن ابن أبي حاتم عمرو بن الحارث عن أبيه أن قال : أيكم يقرأ سورة التوبة قال : رجل : أنا، قال : اقرأ، فلما بلغ : أبا بكر الصديق إذ يقول لصاحبه لا تحزن بكى وقال : أنا والله صاحبه .
وأخرج ، عن أبو الشيخ قال : كان صاحبه قتادة والغار جبل أبا بكر بمكة يقال له : ثور .
وأخرج عن ابن مردويه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عباس أخي وصاحبي في الغار فاعرفوا ذلك له، فلو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبو بكر خليلا سدوا كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبا بكر أبي بكر .
وأخرج عن ابن مردويه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله بن الزبير خليلا ولكن أخي وصاحبي في الغار أبا بكر . لو اتخذت خليلا غير ربي لاتخذت
وأخرج ، عبد الرزاق عن وابن المنذر في قوله : الزهري إذ هما في الغار قال : الغار الذي في الجبل الذي يسمى ثورا .
وأخرج عن ابن مردويه قالت : عائشة رأيت قوما يصعدون حراء فقلت : ما يلتمس هؤلاء في حراء؟ فقالوا : الغار الذي اختبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وأبو بكر، ما اختبأ في عائشة : حراء إنما اختبأ في ثور وما كان أحد يعلم مكان ذلك الغار إلا عبد الرحمن بن أبي بكر فإنهما كانا يختلفان إليهما وأسماء بنت أبي بكر وعامر [ ص: 377 ] ابن فهيرة مولى أبي بكر فإنه كان إذا سرح غنمه مر بهما فحلب لهما .
وأخرج عن ابن أبي شيبة قال : مجاهد مكث مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا أبو بكر .
وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد وعبد بن حميد ، والبخاري ، وابن المنذر ، من طريق وابن أبي حاتم عن الزهري عروة قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، ولما ابتلي المسلمون خرج عائشة مهاجرا قبل أرض أبو بكر الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة : أين تريد يا فقال أبا بكر؟ أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض أعبد ربي، قال أبو بكر : ابن الدغنة : فإن مثلك يا لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك . فارتحل أبا بكر ابن الدغنة فرجع مع فطاف أبي بكر ابن الدغنة في كفار قريش فقال : لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة [ ص: 378 ] وأمنوا وقالوا أبا بكر لابن الدغنة : مر فليعبد ربه في داره وليصل فيها ما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، ففعل ثم بدا أبا بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان لأبي بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف أبو بكر قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا : إنا أجرنا على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين أبا بكر الاستعلان، فأتى لأبي بكر ابن الدغنة فقال : يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع أبا بكر العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له، فقال فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أبو بكر : بمكة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين : قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان . فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين وتجهز مهاجرا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر [ ص: 379 ] وترجو ذلك بأبي أنت! قال : نعم، فحبس أبو بكر : نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر، فبينما نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل أبو بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال لأبي بكر : فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حين دخل أبو بكر : أخرج من عندك، فقال لأبي بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر :
فإنه قد أذن لي بالخروج، فقال فالصحابة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم، فقال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن، فقالت أبو بكر : فجهزناهما أحث الجهاز، فصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت عائشة : من نطاقها فأوكت به الجراب - فلذلك كانت تسمى ذات النطاق - ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت أبي بكر بغار في جبل يقال له : وأبو بكر ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف فيخرج من عندهما سحرا فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن [ ص: 380 ] فهيرة مولى لأبي بكر منيحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب بغلس ساعة من الليل فيبيتان في رسلهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي هاديا خريتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلف في آل العاصي بن وائل، وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ليال فارتحلا فانطلق معهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر والدليل الديلي فأخذ بهم طريق أذاخر، وهو طريق الساحل . عن
قال وأخبرني الزهري : عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن جعشم : أن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول : قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم دية كل واحد منهما لمن قتلهما أو أسرهما، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي وأبي بكر بني مدلج أقبل رجل [ ص: 381 ] منهم حتى قام علينا، فقال : يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل لا أراها إلا محمدا وأصحابه قال سراقة : فعرفت أنهم هم، فقلت : إنهم ليسوا بهم ولكن رأيت فلانا وفلانا انطلقوا آنفا . ثم لبثت في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي، وأمرت جاريتي أن تخرج لي فرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت برمحي الأرض وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي فركبتها فدفعتها وتقرب بي حتى رأيت أسودتهما فلما دنوت منهم حيث يسمعهم الصوت، عثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره ألا أضرهم، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، فدفعتها تقرب بي حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت الأزلام فاستقسمت فخرج الذي أكره ألا أضرهم فعصيت الأزلام وركبت فرسي فدفعتها تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يلتفت يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين، فخررت عنها فزجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما [ ص: 382 ] استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء من الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره ألا أضرهم فناديتهم بالأمان فوقفا وركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنه سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزءوني شيئا ولم يسألوني إلا أن أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتابا موادعة آمن به، فأمر وأبو بكر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أديم ثم مضى . جاءتنا رسل كفار
قال وأخبرني الزهري : عروة بن الزبير وركبا من المسلمين كانوا تجارا الزبير بالشام قافلين إلى مكة، فعرضوا النبي صلى الله عليه وسلم بثياب بياض وسمع المسلمون وأبا بكر بالمدينة بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يؤذيهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم [ ص: 383 ] السراب فلم يتناهى اليهودي أن نادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوه بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف بقباء وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، وطفق من جاء من وأبو بكر الأنصار ممن لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبه حتى أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم الشمس، فأقبل أبا بكر حتى ظلل عليه برادئه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبو بكر بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وابتنى المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فسار ومشى الناس حتى بركت به عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين أخوين في حجر من أبي أمامة أسعد بن زرارة بني النجار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته : هذا المنزل إن شاء الله . ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد يتخذه مسجدا، فقالا : لا بل، نهبه لك يا رسول الله، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما حتى ابتاعه منهما وبناه مسجدا وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنائه وهو يقول :
هذا الحمال لا حمال خيبر [ ص: 384 ] هذا أبر ربنا وأطهر
اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة
وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد عن والبخاري قال : أنس المدينة وهو يردف وهو شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فكانوا يقولون : يا أبا بكر من هذا الغلام بين يديك؟ قال : هاد يهديني السبيل . أبا بكر
[ ص: 385 ] قال : فلما دنونا من المدينة نزلنا الحرة، وبعث إلى الأنصار فجاءوا قال : فشهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوما كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه وشهدته يوم مات فما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم . أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى
وأخرج في "التمهيد" عن ابن عبد البر كثير بن فرقد المدينة ومعه أتي براحلة أبو بكر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنت اركب وأردفك أنا فإن الرجل أحق بصدر دابته . فلما خرجا لقيا في الطريق أبي بكر سراقة بن جعشم - وكان لا يكذب - فسأله : من الرجل؟ قال : باغ، قال : فما الذي وراءك؟ قال : هاد، قال : أحسست أبو بكر محمدا؟ قال : هو ورائي . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج مهاجرا إلى