قوله تعالى : يا أيها النبي قل لأزواجك الآية .
أخرج أحمد، ، ومسلم ، والنسائي ، من طريق وابن مردويه عن أبي الزبير، قال : جابر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فلم يؤذن له، ثم أقبل أبو بكر فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أذن عمر لأبي بكر فدخلا، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت، فقال وعمر : لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك . فقال عمر : يا رسول الله، لو رأيت ابنة عمر زيد -امرأة سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه وقال : "هن حولي يسألنني النفقة"، فقام عمر- إلى أبو بكر ليضربها، وقام عائشة إلى عمر كلاهما يقولان : تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن نساؤه : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده . حفصة
وأنزل [ ص: 20 ] الله الخيار فبدأ فقال : "إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك، قالت : ما هو؟ فتلا عليها : بعائشة يا أيها النبي قل لأزواجك الآية، قالت أفيك أستأمر أبوي؟! بل أختار الله ورسوله وأسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال : إن الله لم يبعثني متعنتا، وإنما بعثني معلما ميسرا، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها . عائشة : أقبل
وأخرج عن ابن سعد أبي سلمة الحضرمي قال : جلست مع أبي سعيد الخدري وهما يتحدثان، وقد ذهب بصر وجابر بن عبد الله فجاء رجل فسلم ثم جلس، فقال : يا جابر، أبا عبد الله، أرسلني إليك أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه؟ فقال عروة بن الزبير جابر : تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وليلة لم يخرج إلى الصلاة، فأخذنا ما تقدم وما تأخر، فاجتمعنا ببابه، فنتكلم ليسمع كلامنا ويعلم مكاننا، فأطلنا الوقوف، فلم يأذن لنا ولم يخرج إلينا، فقلنا : قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم، ولو أراد أن يأذن لكم لأذن، فتفرقوا لا تؤذوه . فتفرق الناس غير يتنحنح ويتكلم ويستأذن، حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر بن الخطاب فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة فقلت له : أي نبي الله، بأبي أنت وأمي، ما الذي رابك؟ وما لقي الناس [ ص: 21 ] بعدك من فقدهم لرؤيتك؟ فقال : "يا عمر : سألنني أولاء ما ليس عندي - يعني نساءه - فذاك الذي بلغ بي ما ترى"، فقلت : يا نبي الله قد صككت عمر، جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض؛ لأنها سألتني ما ليس عندي، وأنت يا رسول الله على موعد من ربك، وهو جاعل بعد العسر يسرا، قال : فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلل عنه بعض ذلك، فخرجت فلقيت فحدثته الحديث، فدخل أبا بكر الصديق على أبو بكر قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر عنكن شيئا، فلا تسأليه ما لا يجد، انظري حاجتك فاطلبيها إلي، وانطلق عائشة إلى عمر فذكر لها مثل ذلك، ثم اتبعا أمهات المؤمنين، فجعلا يذكران لهن مثل ذلك، فأنزل الله تعالى في ذلك : حفصة، يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا يعني متعة الطلاق، ويعني بتسريحهن تطليقهن طلاقا جميلا، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ فقال : "إن الله قد أمرني أن أخيركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وبين أن تخترن الدنيا وزينتها، وقد بدأت بك وأنا أخيرك" قالت : وهل بدأت بأحد منهن قبلي؟ قال : "لا"، قالت : فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة، فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بل أخبرهن به" . فأخبرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا، فاخترن [ ص: 22 ] الله ورسوله والدار الآخرة، فكان خياره بين الدنيا والآخرة، أتخترن الآخرة أو الدنيا؟ قال : بعائشة وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما فاخترن ألا يتزوجن بعده، ثم قال : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ، يعني الزنا، يضاعف لها العذاب ضعفين يعني في الآخرة، وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله . يعني : تطع الله ورسوله، وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين مضاعفا لها في الآخرة، وأعتدنا لها رزقا كريما يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض . يقول : فجور، وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن يقول : لا تخرجن من بيوتكن، ولا تبرجن . يعني إلقاء القناع، فعل أهل الجاهلية الأولى . ثم قال جابر لأبي سعيد : ألم يكن الحديث هكذا؟ قال : بلى .
وأخرج البخاري، ، ومسلم ، والترمذي وابن ماجه والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه في "سننه"، عن والبيهقي عائشة يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى تمام الآيتين، فقلت له : ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة . وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه، قالت : فبدأ بي فقال : "إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري [ ص: 23 ] أبويك" . وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، فقال : "إن الله قال :
وأخرج عن ابن سعد، عن أبيه عن جده قال : عمرو بن شعيب لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بدأ فقال : "إن الله خيرك" فقالت : اخترت الله ورسوله . ثم خير بعائشة فقبلن جميعا، فاخترن الله ورسوله، غير حفصة العامرية اختارت قومها، فكانت بعد تقول : أنا الشقية، وكانت تلقط البعر وتبيعه، وتستأذن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتسألهن، وتقول : أنا الشقية .
وأخرج عن ابن سعد أبي جعفر قال : قال نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نساء أغلى مهورا منا، فغار الله لنبيه فأمره أن يعتزلهن، فاعتزلهن تسعة وعشرين يوما، ثم أمره أن يخيرهن فخيرهن .
[ ص: 24 ] وأخرج عن ابن سعد ابن مناح قال : اخترنه صلى الله عليه وسلم جميعا غير العامرية، كانت ذاهبة العقل حتى ماتت .
وأخرج ، ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن وابن مردويه قالت : عائشة إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستشيري أبويك" . وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة سني، قلت : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : "إني أمرت أن أخيركن" . ثم تلا هذه الآية : عائشة، يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها . إلى قوله : أجرا عظيما قالت : قلت : فيم أستشير أبوي يا رسول الله؟! بل أختار الله ورسوله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وسمع نساؤه بذلك فتواترن عليه . حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهجرنا شهرا، فدخل علي صبيحة تسعة وعشرين، فقلت : يا رسول الله ألم تكن حلفت لتهجرنا شهرا قال : "إن الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وضرب بيديه جميعا، وقبض إصبعا في الثالثة، ثم قال : "يا
وأخرج عن ابن مردويه قال : ابن عباس إنما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه بين الدنيا والآخرة .
[ ص: 25 ] وأخرج ، ابن جرير ، وابن المنذر عن وابن أبي حاتم قتادة قالا : والحسن -قال أمره الله أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار : في شيء كن أردنه من الدنيا، وقال الحسن : في غيرة كانت غارتها قتادة وكان تحته يومئذ تسع نسوة خمس من عائشة- قريش؛ عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وكانت تحته وأم سلمة بنت أبي أمية، صفية بنت حيي الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، من وجويرية بنت الحارث بني المصطلق، وبدأ فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة رئي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعن كلهن على ذلك، فلما خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة شكرهن الله على ذلك أن قال : بعائشة لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن [الأحزاب : 52] فقصره الله عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : سعيد بن جبير يا أيها النبي قل لأزواجك الآية، قال : أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه في هذه الآية، فلم تختر واحدة منهن نفسها غير الحميرية .
وأخرج في "السنن" عن البيهقي في قوله : مقاتل بن سليمان يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يعني العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم، [ ص: 26 ] يضاعف لها العذاب ضعفين . في الآخرة، وكان ذلك على الله يسيرا يقول : وكان عذابها عند الله هينا، ومن يقنت يعني : من يطع منكن الله ورسوله، وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين في الآخرة، بكل صلاة أو صيام أو صدقة أو تكبيرة أو تسبيحة باللسان، مكان كل حسنة يكتب عشرين حسنة . وأعتدنا لها رزقا كريما يعني : حسنا، وهي الجنة .
وأخرج ، عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم في قوله : قتادة يضاعف لها العذاب ضعفين . قال : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : سعيد بن جبير يضاعف لها العذاب ضعفين قال : يجعل عذابهن ضعفين، ويجعل على من قذفهن الحد ضعفين .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : الربيع بن أنس يا نساء النبي الآيتين .
قال : إن الحجة على الأنبياء أشد منها على الأتباع في الخطيئة، وإن الحجة على [ ص: 27 ] العلماء أشد منها على غيرهم، وإن الحجة على نساء النبي صلى الله عليه وسلم أشد منها على غيرهن، فقال : إنه من عصى منكن فإنه يكون العذاب عليها الضعف منه على سائر نساء المؤمنين، ومن عمل صالحا فإن الأجر لها الضعف على سائر نساء المسلمين .
أخرج ، ابن أبي حاتم عن وابن مردويه في قوله : ابن عباس ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا . قال : يقول : من يطع الله منكن وتعمل منكن لله ورسوله بطاعته .
وأخرج عن ابن سعد في قوله : عطاء بن يسار ومن يقنت منكن يعني : تطع الله ورسوله، وتعمل صالحا : تصوم وتصلي .
وأخرج عن الطبراني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي أمامة أربعة يؤتون أجرهم مرتين، أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم من أهل الكتاب، ورجل كانت عنده أمة، فأعجبته فأعتقها ثم تزوجها وعبد مملوك أدى حق الله وحق سادته .
وأخرج عن ابن أبي حاتم جعفر بن محمد عن آبائه في قوله : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة إلى قوله : نؤتها أجرها مرتين . وقوله : [ ص: 28 ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت . قال جعفر بن محمد : يجري أزواجه مجرانا في العقاب والثواب .