ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب
فإن قلت: كيف طابق قولهم: لولا أنزل عليه آية من ربه قوله: قل إن الله يضل من يشاء ؟
قلت: هو كلام يجري مجرى التعجب من قولهم، وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يؤتها نبي قبله، وكفي بالقرآن وحده آية وراء كل آية، فإذا جحدوها ولم يعتدوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط، كان موضعا للتعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم، وما أشد تصميمكم على كفركم: إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة في الكفر، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية، ويهدي إليه من : كان على خلاف صفتكم، [ ص: 351 ] "أناب": أقبل إلى الحق، وحقيقته دخل في نوبة الخير، و الذين آمنوا : بدل من "من أناب"، وتطمئن قلوبهم بذكر الله : بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته، كقوله: ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [الزمر: 23]، أو تطمئن بذكر دلائله الدالة على وحدانيته، أو تطمئن بالقرآن لأنه معجزة بينة تسكن القلوب وتثبت اليقين فيها، الذين آمنوا : مبتدأ، و طوبى لهم : خبره، ويجوز أن يكون بدلا من القلوب، على تقدير حذف المضاف، أي: تطمئن القلوب قلوب الذين آمنوا، وطوبى مصدر من طاب، كبشرى وزلفي، ومعنى: "طوبى لك": أصبت خيرا وطيبا، ومحلها النصب أو الرفع، كقولك: طيبا لك، وطيب لك، وسلاما لك، وسلام لك، والقراءة في قوله: "وحسن مآب" بالرفع والنصب، تدلك على محليها، واللام في "لهم": للبيان مثلها في سقيا لك، والواو في طوبى منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها، كموقن وموسر وقرأ مكوزة الأعرابي: "طيبي لهم" فكسر الطاء لتسلم الياء، كما قيل: بيض ومعيشة.