وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين
أهل المدينة : أهل سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور، مستبشرين بالملائكة، فلا تفضحون : بفضيحة ضيفي، لأن من أسيء إلى ضيفه أو جاره فقد أسيء إليه، كما أن من أكرم من يتصل به فقد أكرم، ولا تخزون : ولا تذلون بإذلال ضيفي، من الخزي وهو الهوان، أو ولا تشوروا بي، من الخزاية وهي الحياء، عن العالمين : عن أن تجير منهم أحدا، أو تدفع عنهم، أو تمنع بيننا وبينهم، فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد، وكان يقوم -صلى الله عليه وسلم- بالنهي عن المنكر، والحجر بينهم وبين المتعرض له، فأوعدوه [ ص: 414 ] وقالوا: لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين، وقيل: عن ضيافة الناس وإنزالهم، وكانوا نهوه أن يضيف أحدا قط، هؤلاء بناتي : إشارة إلى النساء; لأن كل أمة أولاد نبيها رجالهم بنوه ونساؤهم بناته، فكأنه قال لهم: هؤلاء بناتي فانكحوهن، وخلوا بني فلا تتعرضوا لهم، إن كنتم فاعلين : شك في قبولهم لقوله، كأنه قال: إن فعلتم ما أقول لكم وما أظنكم تفعلون، وقيل: إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم، لعمرك : على إرادة القول، أي: قالت الملائكة للوط -عليه السلام-: لعمرك، إنهم لفي سكرتهم : أي: غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم، من ترك البنين إلى البنات، يعمهون : يتحيرون، فكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك؟ وقيل: الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له، والعمر والعمر واحد، إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فيه، وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم، ولذلك حذفوا الخبر، وتقديره: لعمرك مما أقسم به، كما حذفوا الفعل في قولك: بالله، وقرئ: "في سكرهم" و"في سكراتهم"، الصيحة : صيحة جبريل عليه السلام، مشرقين : داخلين في الشروق، وهو بزوغ الشمس، من سجيل : قيل: من طين، عليه كتاب من السجل، ودليله قوله تعالى: حجارة من طين مسومة عند ربك [الذاريات: 33 - 34]، أي: معلمة بكتاب، للمتوسمين : للمتفرسين المتأملين، وحقيقة المتوسمين: النظار المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء، يقال: توسمت في فلان كذا، أي: عرفت وسمه فيه، والضمير في: "عاليها سافلها" لقرى قوم لوط، "وإنها": وإن هذه القرى يعني: آثارها، لبسبيل مقيم : ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد، وهم يبصرون تلك الآثار، وهو تنبيه لقريش كقوله: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين [الصافات: 137].