كان أمة فيه وجهان:
أحدهما: أنه كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير; كقوله [من السريع]:
وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
وعن : كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار. مجاهد
والثاني: أن يكون أمة بمعنى مأموم، أي: يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى: مؤتم به كالرحلة والنخبة، وما أشبه ذلك مما جاء من فعلة بمعنى: مفعول، [ ص: 483 ] فيكون مثل قوله: قال إني جاعلك للناس إماما [البقرة: 124]، وروى عن الشعبي فروة بن نوفل الأشجعي عن أنه قال: إن ابن مسعود كان أمة قانتا لله، فقلت: غلطت، إنما هو معاذا إبراهيم، فقال: الأمة: الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله ورسوله، وكان كذلك، معاذ وعن -رضي الله عنه- أنه قال حين قيل له: ألا تستخلف ؟ لو كان عمر حيا لاستخلفته، ولو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، ولو كان معاذ سالم حيا لاستخلفته، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " أمين هذه الأمة، أبو عبيدة أمة قانت لله، ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون، ومعاذ وسالم شديد الحب لله، لو كان لا يخاف الله لم يعصه"، وهو ذلك المعنى، أي: كان [ ص: 484 ] إماما في الدين; لأن الأئمة معلمو الخير، والقانت: القائم بما أمره الله، والحنيف: المائل إلى ملة الإسلام غير الزائل عنه، ونفي عنه الشرك; تكذيبا لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملة أبيهم إبراهيم، شاكرا لأنعمه : روي أنه كان لا يتغدى إلا مع ضيف، فلم يجد ذات يوم ضيفا، فأخر غداءه، فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر، فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أن بهم جذاما ؟ فقال: الآن وجبت مواكلتكم شكرا لله على أنه عافاني وابتلاكم، اجتباه : اختصه واصطفاه للنبوة، وهداه إلى صراط مستقيم : إلى ملة الإسلام، حسنة : عن : هي تنوبه الله بذكره، حتى ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه، وقيل: الأموال والأولاد، وقيل: قول المصلي منا: كما صليت على قتادة إبراهيم، لمن الصالحين : لمن أهل الجنة.