وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا
حجابا مستورا : ذا ستر; كقولهم: سيل مفعم ذو إفعام، وقيل: هو حجاب لا يرى فهو مستور، ويجوز أن يراد أنه حجاب من دونه حجاب أو حجب، فهو مستور بغيره، أو حجاب يستر أن يبصر، فكيف يبصر المحتجب به، وهذه حكاية لما كانوا يقولونه: وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب [فصلت: 5]، كأنه قال: وإذا قرأت القرآن جعلنا على زعمهم، أن يفقهوه : كراهة أن يفقهوه، أو لأن قوله: وجعلنا على قلوبهم أكنة : فيه معنى المنع من الفقه، فكأنه قيل: ومنعناهم أن يفقهوه، يقال: وحد يحد وحدا وحدة، نحو: وعد يعدو عدا وعدة، و "وحده": من باب رجع عوده على بدئه، وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر ساد مسد الحال، أصله: يحدو حده بمعنى واحدا، وحده، والنفور: مصدر، بمعنى: التولية، أو جمع نافر كقاعد وقعود، أي: يحبون أن تذكر معه آلهتهم; لأنهم مشركون، فإذا سمعوا بالتوحيد نفروا، بما يستمعون به : من الهزوء بك وبالقرآن، ومن اللغو: كان يقوم عن يمينه إذا قرأ رجلان من عبد الدار، ورجلان منهم عن يساره، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار، و "به" في موضع الحال; كما تقول: يستمعون بالهزوء، أي: هازئين، و إذ يستمعون : نصب بأعلم، أي: أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون، وإذ هم نجوى : وبما يتناجون به، إذ هم ذوو نجوى، إذ يقول : بدل من "إذ هم"، مسحورا : سحر فجن، وقيل: هو من السحر وهو الرئة، أي: هو بشر مثلكم، ضربوا لك الأمثال : مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون، فضلوا : في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فهو متحير في أمره لا يدري ما يصنع،