قل آمنوا به أو لا تؤمنوا : أمر بالإعراض عنهم واحتقارهم والازدراء بشأنهم، وألا يكترث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم عنه، وأنهم إن لم يدخلوا في الإيمان ولم يصدقوا بالقرآن وهم أهل جاهلية وشرك، فإن خيرا منهم وأفضل -وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب وعلموا ما الوحي وما الشرائع- قد آمنوا به وصدقوه، وثبت عندهم أنه النبي العربي الموعود في كتبهم، فإذا تلي عليهم خروا سجدا وسبحوا الله; تعظيما لأمره ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة، وبشر به من بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنزال القرآن عليه، وهو المراد بالوعد في قوله: ( إن كان وعد ربنا لمفعولا ويزيدهم خشوعا ) أي: يزيدهم القرآن لين قلب ورطوبة عين.
فإن قلت: إن الذين أوتوا العلم من قبله تعليل لماذا ؟
قلت: يجوز أن يكون تعليلا لقوله: آمنوا به أو لا تؤمنوا ، وأن يكون تعليلا لقل على سبيل التسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتطييب نفسه، كأنه قيل: تسل عن إيمان الجهلة بإيمان العلماء، وعلى الأول: إن لم تؤمنوا به لقد آمن به من هو خير منكم.
فإن قلت: ما معنى الخرور للذقن ؟
قلت: السقوط على الوجه، وإنما ذكر الذقن وهو مجتمع اللحيين، لأن الساجد أول [ ص: 560 ] ما يلقى به الأرض من وجهه الذقن.
فإن قلت: حرف الاستعلاء ظاهر المعنى إذا قلت: خر على وجهه وعلى ذقنه، فما معنى اللام في خر لذقنه ولوجهه ؟ قال [من الوافر]:
........................... ... فخر صريعا لليدين وللفم
قلت: معناه: جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به; لأن اللام للاختصاص.
فإن قلت: لم كرر يخرون للأذقان ؟
قلت: لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين، وخرورهم في حال كونهم باكين.