فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى
أي : لا يصدنك عن تصديقها ، والضمير : للقيامة ، ويجوز أن يكون للصلاة .
فإن قلت : العبارة لنهي من لا يؤمن عن صد موسى ، والمقصود نهي موسى عن التكذيب بالبعث أو أمره بالتصديق ، فكيف صلحت هذه العبارة لأداء هذا المقصود ؟
قلت : فيه وجهان :
أحدهما : أن صد الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب ، فذكر السبب ليدل على المسبب .
والثاني : أن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته ، فذكر [ ص: 74 ] المسبب ليدل على السبب ؛ كقولهم : لا أرينك ها هنا ، المراد : نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته ؛ وذلك سبب رؤيته إياه ، فكان ذكر المسبب دليلا على السبب ، كأنه قيل : فكن شديد الشكيمة صليب المعجم ، حتى لا يتلوح منك لمن يكفر بالبعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه ، يعني : أن من لا يؤمن بالآخرة هم الجم الغفير ؛ إذ لا شيء أطم على الكفرة ، ولا هم أشد له نكيرا من البعث ، فلا يهولنك وفور دهمائهم ولا عظم سوادهم ، ولا تجعل الكثرة مزلة قدمك ، واعلم أنهم وإن كثروا تلك الكثرة ، فقدوتهم فيما هم فيه هو الهوى واتباعه ، لا البرهان وتدبره ، وفي هذا حث عظيم على العمل بالدليل ، وزجر بليغ عن التقليد ، وإنذار بأن الهلاك والردى مع التقليد وأهله .