[ ص: 138 ] أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون
كرر : أم اتخذوا من دونه آلهة ؛ استفظاعا لشأنهم ، واستعظاما لكفرهم ، أي : وصفتم الله تعالى بأن له شريكا ، فهاتوا برهانكم على ذلك : إما من جهة العقل ، وإما من جهة الوحي ، فإنكم لا تجدون كتابا من كتب الأولين إلا وتوحيد الله وتنزيهه عن الأنداد مدعو إليه ، والإشراك به منهي عنه متوعد عليه ، أي : " هذا " : الوحي الوارد في معنى توحيد الله ونفي الشركاء عنه ، كما ورد علي فقد ورد على جميع الأنبياء ، فهو ذكر ، أي : عظة للذين معي ، يعني : أمته ، وذكر للذين من قبلي : يريد أمم الأنبياء -عليهم السلام- وقرئ : "ذكر من معي وذكر من قبلي " : بالتنوين ، ومن مفعول منصوب بالذكر ؛ كقوله : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [البلد : 14- 15 ] ، وهو الأصل والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول ؛ كقوله : غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون [الروم : 2-3 ] وقرئ : "من معي " ، و "من قبلي " : على من الإضافية في هذه القراءة ، وإدخال الجار على " مع" غريب ، والعذر فيه : أنه اسم هو ظرف ؛ نحو : قبل ، وبعد ، وعند ، ولدن ، وما أشبه ذلك ، فدخل عليه : " من" كما يدخل على أخواته ، وقرئ : "ذكر معي وذكر قبلي " ، كأنه قيل : بل عندهم ما هو أصل الشر والفساد كله وهو : الجهل وفقد العلم ، وعدم التمييز بين الحق والباطل ؛ فمن ثم جاء هذا الإعراض ، ومن هناك ورد هذا الإنكار ، وقرئ : "الحق " : بالرفع ، على توسيط التوكيد بين السبب والمسبب ، والمعنى : أن إعراضهم بسبب الجهل هو الحق لا الباطل ، ويجوز أن يكون المنصوب أيضا- على هذا المعنى ، كما تقول : هذا عبد الله الحق لا الباطل .