وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون
استعير الحرام للممتنع وجوده ، ومنه قوله عز وجل : إن الله حرمهما على الكافرين [الأعراف : 50 ] ، أي : منعهما منهم ، وأبى أن يكونا لهم ، وقرئ : "حرم ، و حرم " : بالفتح والكسر ، و"حرم وحرم " . ومعنى : "أهلكناها " : عزمنا على إهلاكها ، أو قدرنا إهلاكها ، [ ص: 165 ] ومعنى الرجوع : الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة ، ومجاز الآية : أن قوما عزم الله على إهلاكهم غير متصور أن يرجعوا وينيبوا ، إلى أن تقوم القيامة فحينئذ يرجعون ويقولون : يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين يعني : أنهم مطبوع على قلوبهم فلا يزالون على كفرهم ويموتون عليه حتى يروا العذاب ، وقرئ : "إنهم " : بالكسر ، وحق هذا أن يتم الكلام قبله ، فلا بد من تقدير محذوف ، كأنه قيل : وحرام على قرية أهلكناها ذاك ، وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المشكور غير المكفور ، ثم علل ، فقيل : إنهم لا يرجعون عن الكفر ، فكيف لا يمتنع ذلك ، والقراءة بالفتح يصح حملها على هذا ؟ أي : لأنهم لا يرجعون ولا صلة على الوجه الأول .
فإن قلت : بم تعلقت " حتى " : واقعة غاية له ، وأية الثلاث هي ؟
قلت : هي متعلقة بحرام ، وهي غاية له ؛ لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة ، وهي "حتى " : التي يحكى بعدها الكلام ، والكلام المحكي : الجملة من الشرط والجزاء ، أعني : "إذا " ، وما في حيزها ، حذف المضاف إلى : يأجوج ومأجوج ، وهو سدهما ، كما حذف المضاف إلى القرية وهو أهلها ، وقيل : فتحت ؛ كما قيل : " أهلكناها " ، وقرئ : "آجوج " ، وهما قبيلتان من جنس الإنس ، يقال : الناس عشرة أجزاء : تسعة منها يأجوج ومأجوج ، "وهم" راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر ، وقيل : هم يأجوج ومأجوج ، يخرجون حين يفتح السد ، الحدب : النشز من الأرض ، وقرأ -رضي الله عنه - : "من كل جدث " ، وهو القبر ، الثاء : حجازية ، والفاء : تميمية ، وقرئ : "ينسلون " : بضم السين ، ونسل وعسل : أسرع . ابن عباس