[ ص: 166 ] إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون
" ما تعبدون من دون الله " : يحتمل الأصنام وإبليس وأعوانه ؛ لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم ؛ ويصدقه ما روي : قريش في الحطيم ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فجلس إليهم ، فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أفحمه ، ثم تلا عليهم : إنكم وما تعبدون من دون الله . . . الآية ، فأقبل عبد الله بن الزبعري ، فرآهم يتهامسون ، فقال : ففيم خوضكم ؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال عبد الله : أما والله ، لو وجدته لخصمته ، فدعوه ، فقال ابن الزبعري : أأنت قلت ذلك ؟ قال : نعم ، قال : قد خصمتك ورب الكعبة ، أليس اليهود عبدوا عزيرا ، والنصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح عبدوا الملائكة ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم - : "بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك " ، فأنزل الله تعالى : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد وصناديد إن الذين سبقت لهم منا الحسنى . . .الآية [الأنبياء : 101 ] ، يعني : عزيرا ، والمسيح ، والملائكة ، عليهم السلام .
[ ص: 167 ] فإن قلت : لم قرنوا بآلهتهم ؟
قلت : لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة ؛ حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم ، والنظر إلى وجه العدو باب من العذاب ، ولأنهم قدروا ، أنهم يستشفعون بهم في الآخرة ويستنفعون بشفاعتهم ، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا ، لم يكن شيء أبغض إليهم منهم .
فإن قلت : إذا عنيت بما تعبدون الأصنام ، فما معنى : لهم فيها زفير ؟
قلت : إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد ، جاز أن يقال : لهم زفير ، وإن لم يكن الزافرين إلا هم دون الأصنام للتغليب ولعدم الإلباس ، والحصب : المحصوب ، أي : يحصب بهم في النار ، والحصب : الرمي ، وقرئ بسكون الصاد ؛ وصفا بالمصدر ، وقرئ : "حطب" و "حضب " : بالضاد متحركا وساكنا ، وعن : يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون ، ويجوز أن يصمهم الله كما يعميهم . ابن مسعود