من رسول ولا نبي : دليل بين على تغاير الرسول والنبي ، ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الأنبياء ، فقال : "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا " ، قيل : فكم الرسل منهم : قال : "ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا " : أن الرسول من الأنبياء : من [ ص: 204 ] جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه ، والنبي غير الرسول : من لم ينزل عليه كتاب ؛ وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله ، والسبب في نزول هذه الآية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أعرض عنه قوم وشاقوه ، وخالفه عشيرته ، ولم يشايعوه على ما جاء به تمنى لفرط ضجره من إعراضهم ولحرصه وتهالكه على إسلامهم ألا ينزل عليه ما ينفرهم ، لعله يتخذ ذلك طريقا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم ، فاستمر به ما تمناه حتى نزلت عليه سورة : والنجم ، وهو من نادي قومه ، وذلك التمني في نفسه ، فأخذ يقرؤها ، فلما بلغ قوله : والفرق بينهما ومناة الثالثة الأخرى ، ألقى الشيطان في أمنيته : التي تمناها ، أي : وسوس إليه بما شيعها به ، فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ، وروي : الغرانقة ، ولم يفطن له [ ص: 205 ] حتى أدركته العصمة فتنبه عليه ، وقيل : نبهه جبريل -عليه السلام- أو تكلم الشيطان بذلك [ ص: 206 ] فأسمعه الناس ، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم ، وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء ، زاد المنافقون به شكا وظلمة ، والمؤمنون نورا وإيقانا ، والمعنى : أن الرسل والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت ، مكن الله الشيطان ليلقي في أمانيهم ما ألقى في أمنيتك ، إرادة امتحان من حولهم ، والله سبحانه له أن يمتحن عباده بما شاء من صنوف المحن وأنواع الفتن ؛ ليضاعف ثواب الثابتين ويزيد في عقاب المذبذبين ، وقيل : "تمنى " : قرأ ، وأنشد [من الطويل ] :
تمنى كتاب الله أول ليلة تمني داود الربور على رسل
وأمنيته : قراءته ، وقيل : تلك الغرانيق : إشارة إلى الملائكة ، أي : هم الشفعاء لا الأصنام ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي : يذهب به ويبطله ، ثم يحكم الله آياته أي : يثبتها .