والمعنى : لو كشف الله عنهم هذا الضر ، وهو الهزال والقحط الذي أصابهم برحمته عليهم ووجدوا الخصب ؛ لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين وإفراطهم فيها ، ولذهب عنهم هذه الإبلاس ، وهذا التملق بين يديه ويسترحمونه ، واستشهد على ذلك بأنا أخذناهم أولا بالسيوف ، وبما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسرهم ، فما وجدت منهم بعد ذلك استكانة ولا تضرع ، حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل وهو أطم العذاب ، فأبسلوا الساعة وخضعت رقابهم ، وجاء أعتاهم وأشدهم شكيمة في العناد يستعطفك ، أو محناهم بكل محنة من القتل والجوع فما رؤي فيهم لين مقادة وهم كذلك ، حتى إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون ؛ كقوله : ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون [الروم : 12 ] ، لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون [الزخرف : 75 ] والإبلاس : اليأس من كل خير ، وقيل : السكوت مع التحير .
فإن قلت : ما وزن استكان ؟
قلت : استفعل من الكون ، أي : انتقل من كون إلى كون ، كما قيل : استحال ، إذا انتقل من حال إلى حال ، ويجوز أن يكون افتعل من السكون أشبعت فتحة عينه ، كما جاء : [من الوافر ]
[ ص: 244 ]
بمنتزاح
.فإن قلت : هلا قيل : وما تضرعوا ، أو : فما يستكينون ؟
قلت : لأن المعنى : محناهم فما وجدت منهم عقيب المحنة استكانة ، وما من عادة هؤلاء أن يستكينوا ويتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد ، وقرئ : "فتحنا " .