الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين
الزانية والزاني أي : جلدهما ، ويجوز أن يكون الخبر : "فاجلدوا " ؛ وإنما دخلت الفاء لكون الألف واللام بمعنى : الذي وتضمينه معنى الشرط ؛ تقديره : التي زنت ، والذي [ ص: 257 ] زنى فاجلدوهما ، كما تقول : من زنى فاجلدوه ؛ وكقوله : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم [النور : 4 ] ، وقرئ بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر ، وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر ، وقرئ : "والزان " : بلا ياء ، والجلد : ضرب الجلد ، يقال : جلده ؛ كقولك : ظهره وبطنه ورأسه .
فإن قلت : أهذا حكم جميع الزناة والزواني ، أم حكم بعضهم ؟
قلت : بل هو حكم من ليس بمحصن منهم ؛ فإن المحصن حكمه الرجم ، عند وشرائط الإحصان ست : الإسلام ، والحرية ، والعقل ، والبلوغ ، والتزوج بنكاح صحيح ، والدخول إذا فقدت واحدة منها فلا إحصان ، وعند أبي حنيفة : الإسلام ليس بشرط ، لما روي الشافعي ، وحجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رجم يهوديين زنيا [ ص: 258 ] [ ص: 259 ] [ ص: 260 ] قوله -صلى الله عليه وسلم - : أبي حنيفة . "من أشرك بالله فليس بمحصن "
[ ص: 261 ] فإن قلت : اللفظ يقتضي تعليق الحكم بجميع الزناة والزواني ؛ لأن قوله : الزانية والزاني : عام في الجميع ، يتناول المحصن وغير المحصن .
قلت : الزانية والزاني : يدلان على الجنسين المنافيين لجنسي العفيف والعفيفة ؛ دلالة مطلقة والجنسية قائمة في الكل والبعض جميعا ، فأيهما قصد المتكلم فلا عليه ، كما يفعل بالاسم المشترك ، وقرئ : "ولا يأخذكم " : بالياء ، "ورأفة " : بفتح الهمزة ، ورآفة على فعالة ، والمعنى : أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ويستعملوا الجد والمتانة فيه ، ولا يأخذهم اللين والهوادة في استيفاء حدوده ، وكفى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة في ذلك ؛ حيث قال : بنت فاطمة محمد ، لقطعت يدها " ، وقوله : "لو سرقت إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر : من باب التهييج وإلهاب الغضب لله [ ص: 262 ] ولدينه ، وقيل : لا تترحموا عليهما ، حتى لا تعطلوا الحدود أو حتى لا توجعوهما ضربا ، وفي الحديث : "يؤتى بوال نقص من الحد سوطا ، فيقول : رحمة لعبادك ، فيقال له : أأنت أرحم بهم مني ؛ فيؤمر به إلى النار ، ويؤتى بمن زاد سوطا فيقول : لينتهوا عن معاصيك فيؤمر به إلى النار " ، وعن : إقامة حد بأرض ، خير لأهلها من مطر [ ص: 263 ] أربعين ليلة ، أبي هريرة ، وعلى الإمام أن ينصب للحدود رجلا عالما بصيرا يعقل كيف يضرب ؛ ضربا وسطا لا مبرحا ولا هينا ، مفرقا على الأعضاء كلها لا يستثنى منها إلا ثلاثة : الوجه ، والرأس ، والفرج ، وفي لفظ الجلد : إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتجاوز الألم إلى اللحم ، والرجل يجلد قائما على مجرده ليس عليه إلا إزاره ، وبهذه الآية استشهد والمرأة تجلد قاعدة ، ولا ينزع من ثيابها إلا الحشو والفرو على أن الجلد أبو حنيفة بلا تغريب ، وما احتج به حد غير المحصن على وجوب التغريب من قوله -صلى الله عليه وسلم - : الشافعي ، وما يروى عن الصحابة : أنهم جلدوا ونفوا : [ ص: 264 ] منسوخ عنده وعند أصحابه بالآية ، أو محمول على وجه التعزير والتأديب من غير وجوب ، وقول "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " في تغريب الحر واحد ، وله في العبد ثلاثة أقاويل : يغرب سنة كالحر ، ويغرب نصف سنة كما يجلد خمسين جلدة ، ولا يغرب كما قال الشافعي ، وبهذه الآية نسخ الحبس الأذى في قوله تعالى : أبو حنيفة فأمسكوهن في البيوت [النساء : 15 ] ، وقوله تعالى : فآذوهما [النساء : 16 ] . قيل : تسميته عذابا دليل على أنه عقوبة ، ويجوز أن يسمى عذابا ؛ لأنه يمنع من المعاودة كما سمي نكالا .
الطائفة : الفرقة التي يمكن أن تكون حلقة ، وأقلها ثلاثة أو أربعة ؛ وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول الشيء ، وعن في تفسيرها : أربعة إلى أربعين رجلا من المصدقين بالله ، وعن ابن عباس : عشرة ، وعن الحسن : ثلاثة فصاعدا ، وعن قتادة : رجلان فصاعدا ، وعن عكرمة : الواحد فما فوقه ، وفضل قول مجاهد ؛ لأن الأربعة هي [ ص: 265 ] الجماعة التي يثبت بها هذا الحد ، والصحيح : أن هذه الكبيرة من أمهات الكبائر ؛ ولهذا قرنها الله بالشرك ، وقتل النفس في قوله : ابن عباس ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما [الفرقان : 68 ] ، وقال : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر الناس ، اتقوا الزنى ؛ فإن فيه ست خصال : ثلاث في الدنيا ، وثلاث في الآخرة ، فأما اللاتي في الدنيا : فيذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأما اللاتي في الآخرة : فيوجب السخطة ، وسوء الحساب ، والخلود في النار " ؛ ولذلك وفى الله فيه عقد المائة بكماله ، بخلاف حد القذف وشرب الخمر ، وشرع فيه القتلة الهولة ، وهي : الرجم ، ونهى المؤمنين عن الرأفة على المجلود فيه ، وأمر بشهادة الطائفة للتشهير ، فوجب أن تكون طائفة يحصل بها التشهير ، والواحد والاثنان ليسوا بتلك المثابة ، واختصاصه المؤمنين ؛ لأن ذلك أفضح ، والفاسق بين صلحاء قومه أخجل ؛ ويشهد له قول -رضي الله عنهما - : إلى أربعين رجلا من المصدقين بالله . ابن عباس