"يزجي" يسوق . ومنه : البضاعة المزجاة : التي يزجيها كل أحد لا يرضاها . والسحاب يكون واحدا كالعماء ، وجمعا كالرباب . ومعنى تأليف الواحد : أنه يكون قزعا فيضم بعضه إلى بعض . وجاز بينه وهو واحد ؛ لأن المعنى بين أجزائه ؛ كما قيل في قوله [من الطويل ] :
[ ص: 311 ]
بين الدخول فحومل
والركام : المتراكم بعضه فوق بعض . والودق : المطر من خلاله من فتوقه ومخارجه : جمع خلل ، كجبال في جبل . وقرئ : "من خلله" "وينزل" بالتشديد . ويكاد سنا : على الإدغام . وبرقه : جمع برقة ، وهي المقدار من البرق ، كالغرفة واللقمة . وبرقه : بضمتين للإتباع ، كما قيل في جمع فعلة : فعلات كظلمات . و "سناء برقه " : على المد المقصور ، بمعنى الضوء . والممدود : بمعنى العلو والارتفاع ، من قولك : سني المرتفع . و يذهب بالأبصار على زيادة الباء ، كقوله : ولا تلقوا بأيديكم [البقرة : 195 ] ، عن أبي جعفر المدني . وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته وظهور أمره ، حيث ذكر تسبيح من في السماوات والأرض وكل ما يطير بين السماء والأرض ودعاؤهم له وابتهالهم إليه ، وأنه سخر السحاب التسخير الذي وصفه وما يحدث فيه من أفعاله حتى ينزل المطر منه ، وأنه يقسم رحمته بين خلقه ويقبضها ويبسطها على ما تقتضيه حكمته ، ويريهم البرق في السحاب الذي يكاد يخطف أبصارهم ، ليعتبروا ويحذروا ، ويعاقب بين الليل والنهار ، ويخالف بينهما بالطول والقصر . وما هذه إلا براهين في غاية الوضوح على وجوده وثباته ، ودلائل منادية على صفاته ، لمن نظر وفكر وتبصر وتدبر ، فإن قلت : متى رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسبيح من في السماوات ودعاءهم ، وتسبيح الطير ودعاءه ، وتنزيل المطر [ ص: 312 ] من جبال برد في السماء ، حتى قيل له : ألم تر ؟ قلت : علمه من جهة إخبار الله إياه بذلك على طريق الوحي . فإن قلت : ما الفرق بين من الأولى والثانية والثالثة في قوله : من السماء من جبال ، من برد ؟ قلت : الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض . والثالثة للبيان ، أو الأوليان للابتداء والآخرة للتبعيض . ومعناه : أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها ، وعلى الأول مفعول " ينزل " : "من جبال " . فإن قلت : ما معنى من جبال فيها من برد ؟ قلت : فيه معنيان . أحدهما : أن يخلق الله في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر . والثاني : أن يريد الكثرة بذكر الجبال ، كما يقال : فلان يملك جبالا من ذهب .