ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون
كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم وإلى بيوت قراباتهم وأصدقائهم فيطعمونهم منها ، فخالج قلوب المطعمين والمطعمين ريبة في ذلك ، وخافوا أن يلحقهم فيه حرج ؛ وكرهوا أن يكون أكلا بغير حق ؛ لقوله تعالى : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة : 188 ] ، فقيل لهم : ليس على الضعفاء ولا على أنفسكم ؛ يعني : عليكم وعلى من في مثل حالكم من المؤمنين حرج في ذلك . وعن : كانت الأنصار في أنفسها قزازة . فكانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا . وقيل : كان هؤلاء يتوقون مجالسة الناس ومؤاكلتهم لما عسى يؤدي إلى الكراهة من قبلهم ، ولأن الأعمى ربما سبقت يده إلى ما سبقت عين أكيله وهو لا يشعر ، والأعرج يتفسح في مجلسه ويأخذ أكثر من موضعه فيضيق على جليسه ، والمريض لا يخلو من رائحة تؤذي أو جرح يبض أو أنف يذن ونحو ذلك . وقيل : كانوا يخرجون إلى الغزو ويخلفون الضعفاء في بيوتهم ، ويدفعون إليهم المفاتيح . ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم فكانوا يتحرجون . حكي عن عكرمة الحرث بن عمرو أنه خرج غازيا وخلف مالك بن زيد في بيته وماله ، فلما رجع رآه مجهودا فقال : ما أصابك ؟ قال : لم يكن عندي شيء ، ولم يحل لي أن آكل من مالك ، فقيل : ليس على هؤلاء الضعفاء حرج فيما تحرجوا عنه ، ولا [ ص: 324 ] عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت ، وهذا كلام صحيح ، وكذلك إذا فسر بأن هؤلاء ليس عليهم حرج في القعود عن الغزو ، ولا عليكم أن تأكلوا من البيوت المذكورة ، لالتقاء الطائفتين في أن كل واحدة منهما منفي عنها الحرج . ومثال هذا أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان . وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر ، فقلت : ليس على المسافر حرج أن يفطر ، ولا عليك يا حاج أن تقدم الحلق على النحر ، فقلت : هلا ذكر الأولاد ؛ قلت : دخل ذكرهم تحت قوله : من بيوتكم [النحل : 80 ] ، لأن ولد الرجل بعضه ، وحكمه حكم نفسه . وفي الحديث : ، ومعنى "إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه ، وإن ولده من كسبه من بيوتكم من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم : ولأن الولد أقرب ممن عدد من القرابات ، فإذا كان سبب الرخصة هو القرابة : كان الذي هو أقرب منهم أولى . فإن قلت : ما معنى أو ما ملكتم مفاتحه ؟ قلت : أموال الرجل إذا كان له عليها قيم ووكيل يحفظها له : أن يأكل من ثمر بستانه ويشرب من لبن ماشيته . وملك المفاتح : كونها في يده وحفظه . وقيل : بيوت المماليك ؛ لأن مال العبد لمولاه . وقرئ : "مفتاحه " : فإن قلت : فما معنى أو صديقكم ؟ قلت : معناه : أو بيوت أصدقائكم . والصديق يكون واحدا وجمعا ، وكذلك الخليط والقطين والعدو . يحكى عن أنه [ ص: 325 ] دخل داره وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون ، فتهللت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال : هكذا وجدناهم ، يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين -رضي الله عنهم- . وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ منه ما شاء ، فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها سرورا بذلك ، وعن الحسن -رضي الله عنهما - : من عظم حرمة الصديق أن جعله الله من الأنس والثقة والانبساط وطرح الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ والابن . وعن جعفر بن محمد الصادق -رضي الله عنهما - : الصديق أكبر من الوالدين ، إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات ، فقالوا : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم . وقالوا : إذا دل ظاهر الحال على رضا المالك ، قام ذلك مقام الإذن الصريح ، وربما سمج الاستئذان وثقل ، كمن قدم إليه طعام فاستأذن صاحبه في الأكل منه ابن عباس جميعا أو أشتاتا أي مجتمعين أو متفرقين . نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظرا نهاره إلى الليل ، فإن لم يجد من يواكله أكل ضرورة ، وقيل في قوم من الأنصار : إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا مع ضيفهم وقيل : تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض فإذا دخلتم بيوتا من هذه البيوت لتأكلوا فابدؤوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم دينا وقرابة تحية من عند الله أي ثابتة بأمره ، مشروعة من لدنه . أو لأن التسليم والتحية طلب سلامة وحياة للمسلم عليه والمحيا من عند الله . ووصفها بالبركة والطيب : لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق . وعن -رضي الله عنه- قال : خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين -وروي : تسع سنين- فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ؟ ولا قال لي لشيء كسرته لم كسرته ؟ وكنت واقفا على رأسه أصب الماء على يديه فرفع رأسه فقال : "ألا أعلمك ثلاث خصال تنتفع بها ؟ قلت : بلى بأبي وأمي يا رسول الله . قال : متى لقيت من أمتي أحدا فسلم عليه يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك ، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة [ ص: 326 ] الأبرار الأوابين أنس ، وقالوا : إن لم يكن في البيت أحد فليقل : السلام علينا من ربنا ، [ ص: 327 ] السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام على أهل البيت ورحمة الله . وعن : إذا دخلت المسجد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تحية من عند الله ، وانتصب تحية بسلموا ، لأنها في معنى تسليما ، كقولك : قعدت جلوسا . ابن عباس