نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر، وقد كرر ذلك في القرآن ومن يتولهم منكم فإنه منهم [المائدة: 51]، لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء [المائدة: 51]، لا تجد قوما يؤمنون بالله الآية [المجادلة: 22].
والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان من دون المؤمنين : يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء : ومن يوالي الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية، يعني: أنه منسلخ من ولاية الله رأسا، وهذا أمر معقول فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان، قال [من الطويل]:
تود عدوي ثم تزعم أنني صديقك ليس النوك عنك بعازب
[ ص: 545 ] إلا أن تتقوا منهم تقاة : إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه، وقرئ: (تقية). قيل للمتقى تقاة وتقية، كقولهم: ضرب الأمير لمضروبه.
رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة مخالفة ومعاشرة ظاهرة، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء، وانتظار زوال المانع من قشر العصا، كقول عيسى صلوات الله عليه: "كن وسطا وامش جانبا".
ويحذركم الله نفسه : فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه، وهذا وعيد شديد، ويجوز أن يضمن "تتقوا": معنى تحذروا وتخافوا، فيعدى بمن وينتصب "تقاة": أو تقية على المصدر، كقوله تعالى: اتقوا الله حق تقاته [آل عمران : 102].