اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون   
الصلاة تكون لطفا في ترك المعاصي ، فكأنها ناهية عنها . فإن قلت : كم من مصل يرتكب ولا تنهاه صلاته ؟ قلت الصلاة التي هي الصلاة عند الله المستحق بها الثواب : أن يدخل فيها مقدما للتوبة النصوح ، متقيا ؛ لقوله تعالى : إنما يتقبل الله من المتقين  ويصليها خاشعا بالقلب والجوارح ، فقد روي عن حاتم   : كأن رجلي على الصراط والجنة عن يميني والنار عن يساري وملك الموت من فوقي ، وأصلي بين الخوف والرجاء ؛ ثم يحوطها بعد أن يصليها فلا يحبطها ، فهي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر  . وعن  ابن عباس   -رضي الله عنهما - : من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا  . وعن  الحسن  رحمه الله : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء  [ ص: 552 ] والمنكر ، فليست صلاته بصلاة ، وهي وبال عليه  . وقيل : من كان مراعيا للصلاة جره ذلك إلى أن ينتهي عن السيئات يوما ما ، فقد روي أنه قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل ، فقال : "إن صلاته لتردعه "  . وروي أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلوات ، ولا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه ، فوصف له فقال : "إن صلاته ستنهاه" فلم يلبث أن تاب  . وعلى كل حال إن المراعي للصلاة لا بد أن يكون أبعد من الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها . وأيضا فكم من مصلين تنهاهم الصلاة عن  [ ص: 553 ] الفحشاء والمنكر واللفظ لا يقتضي أن لا يخرج واحد من المصلين عن قضيتها ، كما تقول : إن زيدا ينهى عن المنكر فليس غرضك أنه ينهى عن جميع المناكير ، وإنما تريد أن هذه الخصلة موجودة فيه وحاصلة منه من غير اقتضاء للعموم ولذكر الله أكبر  يريد : وللصلاة أكبر من غيرها من الطاعات ، وسماها بذكر الله كما قال : فاسعوا إلى ذكر الله   [الجمعة : 9 ] وإنما قال : ولذكر الله : ليستقل بالتعليل ، كأنه قال : وللصلاة أكبر ، لأنها ذكر الله ، أو ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر ، فكان أولى بأن ينهى من اللطف الذي في الصلاة . وعن  ابن عباس   -رضي الله عنهما- ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته  . والله يعلم ما تصنعون  من الخير والطاعة ، فيثيبكم أحسن الثواب . 
				
						
						
