يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما
أردن شيئا من الدنيا من ثياب وزيادة نفقة وتغايرن ، فغم ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فنزلت . فبدأ -رضي الله عنها - وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن ، فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة ، فرئي الفرح في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ، ثم اختارت جميعهن اختيارها ، فشكر لهن الله ذلك ، فأنزل بعائشة لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج [الأحزاب : 52 ] . روي : "إني ذاكر لك أمرا ، ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت : أفى هذا أستأمر أبوي ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة " . وروي أنها قالت : لا تخبر أزواجك أني اخترتك ، فقال : "إنما بعثني الله مبلغا ولم يبعثني متعنتا " لعائشة . فإن قلت : ما حكم [ ص: 64 ] أنه قال ؟ قلت : إذا قال لها اختاري ، فقالت : اخترت نفسي . أو قال : اختاري نفسك ، فقالت : اخترت ، لا بد من ذكر النفس في قول المخير أو المخيرة ، وقعت طلقة بائنة عند التخيير في الطلاق وأصحابه ، واعتبروا أن يكون ذلك في المجلس قبل القيام أو الاشتغال بما يدل على الإعراض ، واعتبر أبي حنيفة اختيارها على الفور وهي عنده طلقة رجعية وهو مذهب الشافعي عمر . وعن وابن مسعود الحسن وقتادة -رضي الله عنهم - : أمرها بيدها في ذلك المجلس وفى غيره ، وإذا اختارت زوجها لم يقع شيء بإجماع فقهاء الأمصار . الزهري -رضي الله عنها - : خيرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فاخترناه ولم يعده طلاقا عائشة . وروي : أفكان طلاقا . وعن وعن - : إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية ، وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة . وروي عنه أيضا أنها إن اختارت زوجها فليس بشيء . أصل تعال : أن يقوله من في المكان المرتفع ، لمن في المكان المستوطئ ، ثم كثر حتى استوت في استعماله الأمكنة . ومعنى تعالين : أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين ، ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن . كما تقول : أقبل يخاصمني ، وذهب يكلمني ، وقام يهددني . "أمتعكن " أعطكن متعة الطلاق . فإن قلت : علي -رضي الله عنه قلت : المطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها في العقد ، متعتها واجبة عند المتعة في الطلاق واجبة أم لا ؟ وأصحابه ، وأما سائر المطلقات فمتعتهن مستحبة وعن أبي حنيفة -رضي الله عنه - : متعتان ، إحداهما : يقضي بها السلطان : من طلق قبل أن يفرض ويدخل بها . والثانية : حق على المتقين من طلق بعد ما يفرض ويدخل ، وخاصمت امرأة إلى الزهري في المتعة فقال : متعها إن كنت من المتقين ولم يجبره . وعن شريح -رضي الله عنه - : المتعة حق مفروض . وعن سعيد بن جبير -رضي الله عنه - : لكل مطلقة متعة إلا المختلعة والملاعنة ، [ ص: 65 ] والمتعة : درع وخمار وملحفة على حسب السعة والاقتدار ، إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك ، فيجب لها الأقل منهما ، ولا تنقص من خمسة دراهم ; لأن أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها . فإن قلت : ما وجه قراءة من قرأ : (أمتعكن وأسرحكن ) بالرفع ؟ قلت : وجهه الاستئناف الحسن سراحا جميلا من غير ضرار طلاقا بالسنة "منكن " للبيان لا للتبعيض .