مما عملت أيدينا مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا ، وإنما قال ذلك لبائع الفطرة والحكمة فيها ، التي لا يصح أن يقدر عليها إلا هو . وعمل الأيدي : استعارة من عمل من يعملون بالأيدي فهم لها مالكون أي : خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم ، فهم متصرفون فيها تصرف الملاك ، مختصون بالانتفاع فيها لا يزاحمون ، أو فهم لها ضابطون قاهرون ، من قوله [من المنسرح ] :
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا
أي : لا أضبطه ، وهو من جملة النعم الظاهرة ، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها ، كما قال القائل [من الوافر ] :
يصرفه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير
[ ص: 192 ] ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين [الزخرف : 13 ] . وقرئ : (ركوبهم ) ، و (ركوبتهم ) . وهما ما يركب ، كالحلوب والحلوبة . وقيل : الركوبة جمع . وقرئ : (ركوبهم ) ، أي : ذو ركوبهم ، أو فمن منافعها ركوبهم "منافع " من الجلود والأوبار والأصواف وغير ذلك "ومشارب " من اللبن ، ذكرها مجملة ، وقد فصلها في قوله تعالى : وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا . . . الآية [النحل : 80 ] ، والمشارب : جمع مشرب ، وهو موضع الشرب ، أو الشرب .