وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون
[ ص: 367 ] والأكنة: جمع كنان. وهو الغطاء، و "الوقر" بالفتح: الثقل. وقرئ: بالكسر. وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن تقبل الحق واعتقاده، كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها، كقوله تعالى: وقالوا قلوبنا غلف [البقرة: 88] ومج أسماعهم له كأن بها صمما عنه، ولتباعد المذهبين والدينين كأن بينهم وما هم عليه، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو عليه: حجابا ساترا وحاجزا منيعا من جبل أو نحوه، فلا تلاقي ولا ترائي "فاعمل" على دينك إننا عاملون على ديننا، أو فاعمل في إبطال أمرنا، إننا عاملون في إبطال أمرك. وقرئ: (إنا عاملون) فإن قلت: هل لزيادة "من" في قوله: ومن بيننا وبينك حجاب فائدة؟ قلت: نعم; لأنه لو قيل: وبيننا وبينك حجاب: لكان المعنى: أن حجابا حاصلا وسط الجهتين، وأما بزيادة "من" فالمعنى: أن حجابا ابتدأ منا وابتدأ منك، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها. فإن قلت: هلا قيل: على قلوبنا أكنة، كما قيل: وفى آذاننا وقر; ليكون الكلام على نمط واحد؟ قلت: هو على [ ص: 368 ] نمط واحد; لأنه لا فرق في المعنى بين قولك: قلوبنا في أكنة. وعلى قلوبنا أكنة. والدليل عليه قوله تعالى: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ولو قيل: إنا جعلنا قلوبهم في أكنة: لم يختلف المعنى، وترى المطابيع منهم لا يراعون الطباق والملاحظة إلا في المعاني.