لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد
قال ذلك اليهود حين سمعوا قول الله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا [البقرة: 245] فلا يخلو إما أن يقولوه عن اعتقاد لذلك، أو عن استهزاء بالقرآن، وأيهما كان فالكلمة عظيمة لا تصدر إلا عن متمردين في كفرهم، ومعنى سماع الله له: أنه لم يخف عليه، وأنه أعد له كفاءة من العقاب سنكتب ما قالوا : في صحائف الحفظة، أو سنحفظه ونثبته في علمنا لا ننساه كما يثبت المكتوب.
فإن قلت: كيف قال: لقد سمع الله ثم قال: "سنكتب" وهلا قيل: ولقد كتبنا؟ قلت: ذكر وجود السماع أولا مؤكدا بالقسم ثم قال: "سنكتب" على جهة الوعيد بمعنى: لن يفوتنا أبدا إثباته وتدوينه كما لن يفوتنا قتلهم الأنبياء، وجعل قتلهم الأنبياء قرينة له؛ إيذانا بأنهما في العظم أخوان، وبأن هذا ليس بأول ما ركبوه من العظائم، وأنهم أصلاء في الكفر ولهم فيه سوابق، وأن من قتل الأنبياء لم يستبعد منه الاجتراء على مثل هذا القول.
وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب مع -رضي الله عنه- إلى يهود أبي بكر بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن يقرضوا الله قرضا حسنا، فقال فنحاص اليهودي: إن الله فقير حين سألنا القرض، فلطمه في وجهه وقال: لولا الذي بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك، فشكاه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجحد ما قاله، فنزلت، أبو بكر ونحوه قولهم: يد الله مغلولة [المائدة: 64].
"ونقول": لهم "ذوقوا" وننتقم منهم بأن نقول لهم يوم القيامة: ذوقوا عذاب الحريق : كما أذقتم المسلمين الغصص، يقال للمنتقم منه: أحس وذق، وقال [ ص: 668 ] أبو سفيان -رضي الله عنه-: ذق عقق. لحمزة
وقرأ : (سيكتب) بالياء على البناء للمفعول، "ويقول" بالياء، وقرأ حمزة الحسن : (سيكتب) بالياء وتسمية الفاعل، وقرأ والأعرج : (ويقال ذوقوا) "ذلك": إشارة إلى ما تقدم من عقابهم وذكر الأيدي; لأن أكثر الأعمال تزاول بهن، فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب. ابن مسعود
فإن قلت: فلم عطف قوله: وأن الله ليس بظلام للعبيد على ( ما قدمت أيديكم ) وكيف جعل كونه غير ظلام للعبيد شريكا لاجتراحهم السيئات في استحقاق التعذيب؟ قلت: معنى كونه غير ظلام للعبيد أنه عادل عليهم، ومن العدل أن يعاقب المسيء منهم ويثيب المحسن.