يشرون : بمعنى يشترون ويبيعون قال ابن مفرغ [من مجزوء الكامل] :
وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامه
فالذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة هم المبطئون ، وعظوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ، ويجاهدوا في سبيل الله حق الجهاد ، والذين يبيعون هم المؤمنون الذين يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها ، والمعنى : إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل الثابتون المخلصون ووعد المقاتل في سبيل الله ظافرا أو مظفورا به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده في إعزاز دين الله والمستضعفين : فيه وجهان : أن يكون مجرورا عطفا على "سبيل الله" أي : في سبيل الله وفي [ ص: 108 ] خلاص المستضعفين . ومنصوبا على اختصاص يعني واختص في سبيل الله خلاص المستضعفين لأن سبيل الله عام في كل خير ، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد ، وكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة ، وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولي وناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر ، ولما خرج استعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا ، قال كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعز بها من الظلمة . فإن قلت : لم ذكر الولدان؟ قلت : تسجيلا بإفراط ظلمهم ، حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين ، إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ومبغضة لهم لمكانهم ، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا ، كما فعل قوم ابن عباس : يونس وكما وردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء ، وعن : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان ، ويجوز أن يراد بالرجال والنساء الأحرار والحرائر ، وبالولدان العبيد والإماء ، لأن العبد والأمة يقال لهما : الوليد والوليدة ، وقيل : للولدان والولائد "الولدان" لتغليب الذكور على الإناث كما يقال : الآباء والإخوة . فإن قلت : لم ذكر الظالم وموصوفه مؤنث؟ قلت : وهو وصف للقرية إلا [ ص: 109 ] أنه مسند إلى أهلها . فأعطي إعراب القرية لأنه صفتها ، وذكر لإسناده إلى الأهل كما تقول من هذه القرية التي ظلم أهلها ، ولو أنث فقيل : الظالمة أهلها ، لجاز لا لتأنيث الموصوف ، ولكن لأن الأهل يذكر ويؤنث . فإن قلت : هل يجوز من هذه القرية الظالمين أهلها؟ قلت : نعم ، كما تقول : التي ظلموا أهلها ، على لغة من يقول : أكلوني البراغيث ، ومنه ابن عباس وأسروا النجوى الذين ظلموا [الأنبياء : 3] ، رغب الله المؤمنين ترغيبا وشجعهم تشجيعا بإخبارهم أنهم إنما يقاتلون في سبيل الله . فهو وليهم وناصرهم ، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان فلا ولي لهم إلا الشيطان ، وكيد الشيطان للمؤمنين إلى جنب كيد الله للكافرين أضعف شيء وأوهنه .