وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة [ ص: 143 ] كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة : يتعلق بظاهرة من لا يرى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث شرط كونه فيهم ، وقال من رآها بعده : إن الأئمة نواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عصر ، قوام بما كان يقوم به فكان الخطاب له متناولا لكل إمام يكون حاضر الجماعة في حال الخوف ، عليه أن يؤمهم كما أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجماعات التي كان يحضرها ، والضمير في "فيهم" للخائفين صلاة الخوف فلتقم طائفة منهم معك : فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم وليأخذوا أسلحتهم : الضمير إما للمصلين وإما لغيرهم فإن كان للمصلين فقالوا : يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما ، وإن كان لغيرهم فلا كلام فيه فإذا سجدوا فليكونوا يعني غير المصلين من ورائكم يحرسونكم وصفة عند صلاة الخوف : أن يصلي الإمام بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين - والأخرى بإزاء العدو - ثم تقف هذه الطائفة بإزاء العدو وتأتي الأخرى فيصلي بها ركعة ويتم صلاته . ثم تقف بإزاء العدو ، وتأتي الأولى فتؤدي الركعة بغير قراءة وتتم صلاتها ثم تحرس ، وتأتي الأخرى فتؤدي الركعة بقراءة وتتم صلاتها ، والسجود على ظاهره عند أبي حنيفة ، وعند أبي حنيفة بمعنى الصلاة ، لأن الإمام يصلي عنده بطائفة ركعة ويقف قائما حتى تتم صلاتها وتسلم وتذهب ، ثم يصلي بالثانية ركعة ويقف قاعدا حتى تتم صلاتها ، ويسلم بهم ويعضده ، [ ص: 144 ] مالك ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ، وقرئ : "وأمتعاتكم" فإن قلت : كيف جمع بين الأسلحة وبين الحذر في الأخذ؟ . قلت : جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي ، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ، وجعلا مأخوذين ، ونحوه قوله تعالى : والذين تبوءوا الدار والإيمان [الحشر : 9] جعل الإيمان مستقرا لهم ومتبوأ لتمكنهم فيه فلذلك جمع بينه وبين الدار في التبوء فيميلون عليكم : فيشدون عليكم شدة واحدة ، ورخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر أو يضعفهم من مرض ، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو . فإن قلت : كيف طابق الأمر بالحذر قوله : إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ؟ قلت : الأمر بالحذر من العدو يوهم توقع غلبته واعتزازه . فنفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم أن الله يهين عدوهم ويخذله وينصرهم عليه ، لتقوى قلوبهم ، وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لذلك ، وإنما هو تعبد من الله كما قال : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة : 195] فإذا قضيتم الصلاة فإذا صليتم في حال الخوف والقتال فاذكروا الله : فصلوها قياما : مسايفين ومقارعين وقعودا : جاثين على الركب مرامين وعلى جنوبكم : مثخنين بالجراح فإذا اطمأننتم حين تضع الحرب أوزارها وأمنتم فإذا قضيتم : فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي أحوال القلق والانزعاج إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا : محدودا بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها على أي حال كنتم ، خوف أو أمن ، وهذا ظاهر على مذهب رحمه الله في إيجابه الشافعي في حالة المسايفة والمشي والاضطراب في المعركة إذا حضر وقتها ، فإذا اطمأن فعليه القضاء ، وأما عند الصلاة على المحارب - رحمه الله - فهو معذور في تركها إلى أن يطمئن ، وقيل : معناه فإذا قضيتم صلاة الخوف فأديموا ذكر الله مهللين مكبرين مسبحين داعين بالنصرة والتأييد في كافة أحوالكم من قيام وقعود واضطجاع ، فإن ما أنتم فيه من خوف وحرب جدير بذكر الله ودعائه واللجأ إليه أبي حنيفة فإذا اطمأننتم : فإذا أقمتم فأقيموا الصلاة : فأتموها .