ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين   
ذكر غير المتقين من المسلمين ، وأمر بإنذارهم ; ليتقوا ، ثم أردفهم ذكر المتقين منهم ،  [ ص: 350 ] وأمره بتقريبهم وإكرامهم ، وألا يطيع فيهم من أراد بهم خلاف ذلك ، وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم ، أي : عبادته ، ويواظبون عليها ، والمراد بذكر الغداة والعشي : الدوام . 
وقيل معناه : يصلون صلاة الصبح والعصر ، ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله : يريدون وجهه  ، والوجه يعبر به عن ذات الشيء وحقيقته ، روي أن رءوسا من المشركين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو طردت عنا هؤلاء الأعبد ; يعنون : فقراء المسلمين ، وهم :  عمار ،   وصهيب ،   وبلال ،   وخباب ،   وسلمان ،  وأضرابهم - رضوان الله عليهم - وأرواح جبابهم - وكانت عليهم جباب من صوف - جلسنا إليك وحادثناك ، فقال عليه الصلاة والسلام : " ما أنا بطارد المؤمنين" ، فقالوا : فأقمهم عنا إذا جئنا ، فإذا قمنا ، فأقعدهم معك إن شئت ، فقال : " نعم" ، طمعا في إيمانهم ، وروي أن  عمر   - رضي الله عنه - قال : لو فعلت حتى ننظر إلى ما يصيرون ، قال : فاكتب بذلك كتابا ، فدعا بصحيفة ، وبعلي -  رضي الله عنه ليكتب ; فنزلت ، فرمى بالصحيفة ، واعتذر  عمر  من مقالته . 
قال  سلمان   وخباب :  فينا نزلت ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقعد معنا ، ويدنو منا حتى تمس ركبتنا ركبته ، وكان يقوم عنا إذا أراد القيام ; فنزلت : واصبر نفسك مع الذين يدعون  [ ص: 351 ] ربهم   [الكهف : 28] فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه ، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي ، معكم المحيا ، ومعكم الممات ما عليك من حسابهم من شيء   ; كقوله : إن حسابهم إلا على ربي   [الشعراء : 113] ، وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم ، فقال : ما عليك من حسابهم من شيء  بعد شهادته لهم بالإخلاص ، وبإرادة وجه الله في أعمالهم على معنى : وإن كان الأمر على ما يقولون عند الله ، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر ، والاتسام بسيمة المتقين ، وإن كان لهم باطن غير مرضي ، فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك ، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم ; كقوله : ولا تزر وازرة وزر أخرى   [فاطر : 7] . 
فإن قلت : أما كفى قوله : ما عليك من حسابهم من شيء  حتى ضم إليه : وما من حسابك عليهم من شيء  ؟ 
قلت : قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة ، وقصد بهما مؤدى واحد ، وهو المعني في قوله : ولا تزر وازرة وزر أخرى   [فاطر : 18] ، ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا ; كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ، ولا هم بحساب صاحبه . 
 [ ص: 352 ] وقيل : الضمير للمشركين ، والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ، ولا أنت بحسابهم ، حتى يهمك إيمانهم ، ويحرك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين فتطردهم   : جواب النفي فتكون من الظالمين   : جواب النهي ، ويجوز أن يكون عطفا على فتطردهم  ، على وجه التسبيب ; لأن كونه ظالما مسبب عن طردهم . 
وقرئ : " بالغدوة والعشي" . 
				
						
						
