لا تعبدون : إخبار في معنى النهي، كما تقول: تذهب إلى فلان تقول له كذا، تريد الأمر، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهي; لأنه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء، فهو يخبر عنه وتنصره قراءة عبد الله (لا تعبدوا)، ولا بد من إرادة القول، ويدل عليه أيضا قوله: "وقولوا"، وقوله: وأبي وبالوالدين إحسانا [الإسراء: 23]، إما أن يقدر: وتحسنون بالوالدين إحسانا، أو وأحسنوا، وقيل: هو جواب قوله: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل : إجراء له مجرى القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون، وقيل: معناه: ألا تعبدوا، فلما حذفت "أن" رفع، كقوله [من الطويل]:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
ويدل عليه قراءة عبد الله : (ألا تعبدوا)، ويحتمل (أن لا تعبدوا)، أن تكون "أن" فيه مفسرة، وأن تكون أن مع الفعل بدلا عن الميثاق، كأنه قيل: أخذنا ميثاق بني إسرائيل توحيدهم، وقرئ بالتاء حكاية لما خوطبوا به، وبالياء لأنهم غيب، "حسنا": قولا هو حسن في نفسه، لإفراط حسنه، وقرئ (حسنا)، و(حسنى) على المصدر كبشرى، [ ص: 291 ] ثم توليتم : على طريقة الالتفات أي توليتم عن الميثاق ورفضتموه، إلا قليلا منكم قيل: هم الذين أسلموا منهم، وأنتم معرضون : وأنتم قوم عادتكم الإعراض عن المواثيق، والتولية.