أدعى بأسماء نبزا في قبائلها كأن أسماء أضحت بعد أسمائي
[ ص: 366 ] أو أريد " عابد آزر" ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقرئ : " ءأزر تتخذ أصناما آلهة " بفتح الهمزة ، وكسرها بعد همزة الاستفهام ، وزاي ساكنة ، وراء منصوبة منونة ، وهو اسم صنم ، ومعناه : أتعبد آزرا على الإنكار؟ ثم قال : تتخذ أصناما آلهة ; تثبيتا لذلك وتقريرا ، وهو داخل في حكم الإنكار ; لأنه كالبيان له فلما جن عليه الليل : عطف على : " قال إبراهيم لأبيه" ، وقوله : وكذلك نري إبراهيم : جملة معترض بها بين المعطوف والمعطوف عليه ، والمعنى : مثل ذلك التعريف والتبصير نعرف إبراهيم ، ونبصره ، " ملكوت السماوات والأرض" ; يعني الربوبية والإلهية ونوفقه لمعرفتها ، ونرشده بما شرحنا صدره ، وسددنا نظره ، وهديناه لطريق الاستدلال ، وليكون من الموقنين : فعلنا ذلك ، ونري : حكاية حال ماضية ، وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام ، والشمس ، والقمر ، والكواكب ، فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم ، وأن يرشدهم إلى طريق النظر ، والاستدلال ، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها لا يصح أن يكون إلها ; لقيام دليل الحدوث فيها ، وأن وراءها محدثا أحدثها ; وصانعا صنعها ، مدبرا دبر طلوعها ، وأفولها ، وانتقالها ، ومسيرها ، وسائر أحوالها هذا ربي : قول من ينصف خصمه ، مع علمه بأنه مبطل ، فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ; لأن ذلك أدعى إلى الحق ، وأنجى من الشغب ، ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة لا أحب الآفلين : لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال ، المتنقلين من مكان إلى مكان ، المحتجبين بستر ; فإن ذلك من صفات الأجرام ، " بازغا" : مبتدئا في الطلوع لئن لم يهدني ربي : تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها ، وهو نظير الكوكب ، في الأفول ، فهو ضال ، وأن الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه هذا أكبر : من باب استعمال النصفة - أيضا - مع خصومه إني بريء مما تشركون : من الأجرام التي [ ص: 367 ] تجعلونها شركاء لخالقها إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض : أي : للذي دلت هذه المحدثات عليه ، وعلى أنه مبتدئها ومبتدعها .
وقيل : هذا كان نظره واستدلاله في نفسه ، فحكاه الله ، والأول أظهر ; لقوله : لئن لم يهدني ربي وقوله : قال يا قوم إني بريء مما تشركون .
فإن قلت : لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ ، وكلاهما انتقال من حال إلى حال؟
قلت : الاحتجاج بالأفول أظهر ; لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب .
فإن قلت : ما وجه التذكير في قوله : " هذا ربي" ، والإشارة للشمس؟
قلت : جعل المبتدأ مثل الخبر ; لكونهما عبارة عن شيء واحد ; كقولهم : ما جاءت حاجتك ، ومن كانت أمك ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا [الأنعام : 23] ، وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث ، ألا تراهم قالوا في صفة الله : " علام" ، ولم يقولوا : " علامة " وإن كان العلامة أبلغ ; احترازا من علامة التأنيث .
وقرئ : " تري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، بالتاء ، ورفع الملكوت ، ومعناه : تبصره دلائل الربوبية .