الملأ : الأشراف والسادة ، وقيل : الرجال ليس معهم النساء في ضلال : في ذهاب عن طريق الصواب والحق ، ومعنى الرؤية : رؤية القلب .
فإن قلت : لم قال : ليس بي ضلالة ، ولم يقل : ضلال كما قالوا؟
قلت : الضلالة أخص من الضلال ، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه ; كأنه قال : ليس بي شيء من الضلال ، كما لو قيل لك : ألك تمر ، فقلت : ما لي تمرة .
فإن قلت : كيف وقع قوله : ولكني رسول استدراكا للانتفاء عن الضلالة؟
قلت : كونه رسولا من الله ، مبلغا رسالاته ، ناصحا ، في معنى كونه على الصراط المستقيم ، فصح لذلك أن يكون استدراكا للانتفاء عن الضلالة .
وقرئ : " أبلغكم " ، بالتخفيف .
[ ص: 455 ] فإن قلت : كيف موقع قوله : أبلغكم ؟
قلت : فيه وجهان : أحدهما : أن يكون كلاما مستأنفا بيانا لكونه رسول رب العالمين .
والثاني : أن يكون صفة لـ “رسول" .
فإن قلت : كيف جاز أن يكون صفة ، والرسول لفظه لفظ الغائب؟
قلت : جاز ذلك ; لأن الرسول وقع خبرا عن ضمير المخاطب ، وكان معناه : كما قال : [من الرجز]
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
[ ص: 456 ] رسالات ربي : ما أوحي إلي في الأوقات المتطاولة ، أو في المعاني المختلفة من الأوامر والنواهي ، والمواعظ والزواجر ، والبشائر والنذائر ، ويجوز أن يريد رسالاته إليه وإلى الأنبياء قبله من صحف جده إدريس ، وهي ثلاثون صحيفة ، ومن صحف شيث وهي خمسون صحيفة وأنصح لكم : يقال : نصحته ، ونصحت له ، وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة ، وأنها وقعت خالصة للمنصوح له ، مقصودا بها جانبه لا غير ، فرب نصيحة ينتفع بها الناصح ، فيقصد النفعين جميعا ، ولا نصيحة أمحض من نصيحة الله - تعالى - ورسله - عليهم السلام - وأعلم من الله ما لا تعلمون أي : من صفات الله وأحواله ، يعني : قدرته الباهرة ، وشدة بطشه على أعدائه ، وأن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين .
وقيل : لم يسمعوا بقوم حل بهم العذاب قبلهم فكانوا آمنين لا يعلمون ما علمه نوح بوحي الله إليه ، أو أراد : وأعلم من جهة الله أشياء لا علم لكم بها قد أوحى إلي بها .