وقرئ : " للنبي" ، على التعريف ، و “ أسارى" ، و “ يثخن" ، بالتشديد ، ومعنى الإثخان : كثرة القتل والمبالغة فيه ، من قولهم : أثخنته الجراحات : إذا أثبتته حتى تثقل عليه الحركة ، وأثخنه المرض : إذا أثقله من الثخانة التي هي الغلظ والكثافة ، يعني : حتى يذل الكفر ويضعفه بإشاعة القتل في أهله ، ويعز الإسلام ويقويه بالاستيلاء والقهر ، ثم الأسر بعد ذلك ، ومعنى : "وما كان" : ما صح له وما استقام ، وكان هذا يوم بدر ، فلما كثر المسلمون نزل : فإما منا بعد وإما فداء [محمد : 4] وروي عمه ، العباس فاستشار وعقيل بن أبي طالب ، - رضي الله عنه فيهم - فقال : قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم ، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك ، وقال أبا بكر - رضي الله عنه - : كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم ; فإن هؤلاء عمر ، وإن الله أغناك عن أئمة الكفر : مكن الفداء من عليا عقيل ، [ ص: 599 ] من وحمزة ومكني من فلان لنسيب له ، فلنضرب أعناقهم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا العباس ، مثل أبا بكر إبراهيم ، قال : "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ، ومثلك يا مثل عمر نوح ، قال : "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " " ، ثم قال لأصحابه : "أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد منكم إلا بفداء أو ضرب عنق" . وروي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بسبعين أسيرا فيهم أنه قال لهم : "إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم ، واستشهد منكم بعدتهم" فقالوا : بل نأخذ الفداء ، فاستشهدوا بأحد ، وكان عشرين أوقية ، وفداء فداء الأسارى أربعين أوقية ، العباس وعن كان فداؤهم مائة أوقية ، والأوقية : أربعون درهما وستة دنانير ، وروي : " محمد بن سيرين : على رسول الله [ ص: 600 ] صلى الله عليه وسلم - فإذا هو عمر يبكيان ، فقال : يا رسول الله ، أخبرني ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت ، فقال : "أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ، ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة منه " وأبو بكر وروي أنه قال : أنهم لما أخذوا الفداء ، نزلت الآية ، فدخل "لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر - رضي الله عنهما - لقوله : كان الإثخان في القتل أحب إلي" . وسعد بن معاذ عرض الدنيا : حطامها ; سمي بذلك لأنه حدث قليل اللبث ، يريد : الفداء والله يريد الآخرة يعني : ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل ، وقرئ : "يريدون" ، بالياء ، وقرأ بعضهم : "والله يريد الآخرة" ، بجر الآخرة على حذف المضاف ، وإبقاء المضاف إليه على حاله ; كقوله [من المتقارب] :
أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا
[ ص: 601 ] ومعناه : والله يريد عرض الآخرة ، على التقابل ، يعني : ثوابها والله عزيز : يغلب أولياءه على أعدائه ، ويتمكنون منهم قتلا وأسرا ويطلق لهم الفداء ، ولكنه : " حكيم " يؤخر ذلك إلى أن يكثروا ويعزوا وهم يعجلون لولا كتاب من الله سبق : لولا حكم منه سبق إثباته في اللوح ، وهو أنه لا يعاقب أحد بخطأ ، وكان هذا خطأ في الاجتهاد ; لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم ، وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله ، وخفي عليهم أن قتلهم أعز للإسلام ، وأهيب لمن وراءهم ، وأفل لشوكتهم ، وقيل : كتابه أنه سيحل لهم الفدية التي أخذوها ، وقيل : إن أهل بدر مغفور لهم ، وقيل : إنه لا يعذب قوما إلا بعد تأكيد الحجة ، وتقديم النهي ، ولم يتقدم نهي عن ذلك فكلوا مما غنمتم
: روي أنهم أمسكوا عن الغنائم ، ولم يمدوا أيديهم إليها ، فنزلت ، وقيل : هو إباحة للفداء ; لأنه من جملة الغنائم واتقوا الله : فلا تقدموا على شيء لم يعهد إليكم فيه .