"أندادا": أمثالا من الأصنام، وقيل: من الرؤساء الذين كانوا يتبعونهم ويطيعونهم وينزلون على أوامرهم ونواهيهم، واستدل بقوله: إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا [البقرة: 166]، ومعنى: "يحبونهم": يعظمونهم ويخضعون لهم تعظيم المحبوب كحب الله : كتعظيم الله والخضوع له، أي: كما يحب الله تعالى، على أنه مصدر من المبني للمفعول، وإنما استغني عن ذكر من يحبه لأنه غير ملبس، وقيل: كحبهم الله، أي: يسوون بينه وبينهم في محبتهم; لأنهم كانوا يقرون بالله ويتقربون إليه (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين).
أشد حبا لله : لأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره، بخلاف المشركين فإنهم يعدلون عن أندادهم إلى الله عند الشدائد فيفزعون إليه، ويخضعون له، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه، فيقولون: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ويعبدون الصنم زمانا ثم يرفضونه إلى غيره، أو يأكلونه كما أكلت باهلة إلهها من حيس عام المجاعة الذين ظلموا : إشارة إلى متخذي الأنداد، أي: لو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم أن القدرة كلها لله على كل شيء من العقاب والثواب دون أندادهم - ويعلمون شدة عقابه للظالمين إذا عاينوا العذاب يوم القيامة - لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم، فحذف الجواب كما في قوله: ولو ترى إذ وقفوا [الأنعام: 27]، وقولهم: لو رأيت فلانا والسياط تأخذه.
وقرئ: (ولو ترى) بالتاء على خطاب الرسول أو كل مخاطب، أي: ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما، وقرئ: (إذ يرون)، على البناء للمفعول، وإذ في المستقبل كقوله: ونادى أصحاب الجنة [الأعراف: 44].
إذ تبرأ بدل من إذ يرون العذاب أي: تبرأ المتبوعون - وهم الرؤساء - من الأتباع، وقرأ الأول على البناء للفاعل، والثاني على البناء [ ص: 355 ] للمفعول، أي تبرأ الأتباع من الرؤساء، مجاهد ورأوا العذاب : والواو للحال، أي: تبرؤا في حال رؤيتهم العذاب "وتقطعت": عطف على تبرأ، و"الأسباب": الوصل التي كانت بينهم، من الاتفاق على دين واحد، ومن الأنساب، والمحاب، والأتباع، والاستتباع، كقوله: لقد تقطع بينكم [الأنعام: 94] "لو": في معنى التمني، ولذلك أجيب بالفاء الذي يجاب به التمني، كأنه قيل: ليت لنا كرة فنتبرأ منهم "كذلك": مثل ذلك الإراء الفظيع يريهم الله أعمالهم حسرات ، أي ندامات، و(حسرات) ثالث مفاعيل أرى، ومعناه: أن أعمالهم تنقلب حسرات عليهم، فلا يرون إلا حسرات مكان أعمالهم، وما هم بخارجين هم بمنزلته في قوله [من الكامل]:
هم يفرشون اللبد كل طمرة
في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم لا على الاختصاص.